قصة أرعانيت
( أقربكم مني منزلة )
بقلم/ دينا خالد
قراءة القصة...
شيطان ضعيف مهمش ليس له مقام ولا قيمة في العالم السفلي.
كل الشياطين تستهزئ به وتستقل منه،
يقولون عنه ويتهامسون أن جُل ما يمكنه فعله هو أن يوسوس لبني آدم بالسرقة أو الكذب أو خيانة الأمانة، ليس لديه أي إنجاز يذكر لا بالقتل ولا بالشرك ولا حتى بالزنا.
يحيا ذليلًا بين بني إبليس يمشي منكس الرأس خانع لأيٍ منهم بدون نقاش فهو أضعفهم.
إستيقظ أرعانيت ذات يوم وقرر في قرارة نفسه إنه لن يقبل بالذل بعد اليوم.
فكر كثيرًا ثم خطط للإقامة في قرية صغيرة ويجعل أهلها فئران تجارب لوسوساته،
يجرب فيهم أنواع الغي حتى يتوصل للذنب الذي يقربه من سيده إبليس الرجيم ، ويجعله يقترب من لقب لعين الذي يدعو للمفخرة في عالمهم السفلي.
استقر بقرية لا يتعدى عدد عائلاتها خمسة و ثلاثون عائلة بعدد سكان لا يتجاوز المئة وخمسين شخصًا كبيرهم بصغيرهم ، مكث فيها وبدأت تجاربه.
قرر أن أول تجاربه أنه سيسلط عليهم السحر،
فمن السهل جدًا أن تتلاعب بعقول الجهلاء والمبتعدين عن الطريق القويم.
أقام إجتماعًا لقرناء سكان القرية وبدأ يشرح لهم الخطة أخبرهم أن يكثفوا الوسوسة باتخاذ السحر ملجأ وحلًا لكل مشاكلهم، الفقير نغنيه بالسحر، العانس نزوجها بالسحر، نرد المطلقة ونجلب الحبيب، حتى الغني الذي لا ولد له نجلب له ولدًا.
رد عليه أحد الضعفاء منهم قائلًا ( كيف ونحن لا نملك لهم ضرًا ولا نفعًا إلا بإذن الله؟ فكيف تريد منا أن نفعل كل هذا؟ ثم كيف يمكن لأقوانا حتى أن يجلب ولدًا لعاقر؟)
انشر معنا على الموقع وتواصل معنا.
»»» للنشر والتواصل معنا اضغط هنا «««
أجابه أرعانيت ( أما الفقير فنأخذ له من مال الغني، و أما العانس فإن كانت شنيعة فنسحر عين من تريده ليراها جميلة ونتلاعب بعقله فنوهمه بحبها وان كانت جميلة فمهمة سهلة سنتلاعب بعقله فقط، وكذلك نفعل بجلب الحبيب وبزوج المطلقة، أما العاقر فنوهمه اننا سنحل مشكلته ونأخذ منه مالًا وفيرًا لنعطيه لمن يريد المال ولنخبره بعدها أن شخصًا قد عقد له العقد وسحر له سحرٌ سفلي لا يقوى على فكه وصرفه إلا من نفذه أو قد نوكل له شيطان يلازمه يوهمه بسحر أعينه أن زوجته حامل ومن ثم نجلب له أي طفل ممن هم يلقون في الشارع لا حول لهم ولا قوة وقد يحدث بالاتفاق بين دجالنا وبين الزوجة…) سكت قليلًا ثم أردف ( أما وقد أخبرتكم بكل شيء فما عليكم أنتم إلا الوسوسة أما الجن والعفاريت الذين سينفذون فأنا من سيخبرهم فهلا بدأنا!)
هلل الشياطين له لدهاءه، وانتهى اجتماعهم بموافقتهم على ما قاله أرعانيت وشرعوا في التنفيذ في التو والحال.
سخر أرعانيت بعضًا من الجن الأضعف منه ليساعدوه وفي تنفيذ ما يقوله القرناء، وأمر أحدهم بالتشكل في هيئة بشري ويدعي أنه شيخٌ له كرامات.
يقف أرعانيت في بداية القرية وينظر بعينه داخل البيوت يراقب الأوضاع ويبحث عن أضعفهم إيمانًا بالله ليبدأ به وقعت عينه على دار صغيرة، قرر أن يجعلها نهاية رحلته.
إنه منزل الحاج عبد الرحمن الذي يعيش به كلًا من الحاج عبد الرحمن ذا الستون عامًا وزوجته الفاضلة الحاجة أمل ، وابنهم الوحيد يوسف وزوجته وحفيدهما أحمد.
في بيت متدين يشع منه النور من كثرة إيمان وتدين أهله.
بعدما فحص البيوت بعينه سريعًا عرف من أين سيبدأ رحلته.
لم يمر شهران إلا وقد زار كل سكان القرية الدجال المدّعي ليطلب منه شيئًا ينقصه أو رفع بلاءٍ أو جلب رزق.
الكل ما عدا الشيخ عبد الرحمن وأسرته الذين لم يستجيبوا لأيٍ من وسوسات الشياطين ولا وسوساته هو شخصيًا بل وحاول الشيخ عبد الرحمن إثناء الناس عن الذهاب للدجال وسماع ما يقول وتقديم القرابين له والانصياع لآوامره ولكن دون جدوى.
علم أرعانيت أنه لا طاقة له بالشيخ عبد الرحمن وأهله فهو كلما وسوس لهم يستغفرون وكلما أذنبوا بسببه يصلون ويسبحون وكلما أراد سحبهم لطريق الغي حادوا عنه واستعانوا بالله وهرولوا لطريق الحق، حتى يأس منهم ورحل عنهم ليكمل خطته
فوعد الحق أن من يتق الله ويجعله أمامه يجعل الله له مخرجًا من كل إثم.
في بداية القرية يقف أرعانيت يضحك عاليًا ومن خلفه تابعيه فقد تحقق مرادهم وهاهم أهل القرية يعيثون في بعضهم الفساد، انتشر السحر مخلفًا وراءه القتل والزنا والشرك بالله بالطبع، فكل من ذهب لدجال وصدقه فقد أشرك وكفر.
احتفل أرعانيت بإنجازه وطار مسرعًا لسيده إبليس ليخبره ويدنو منه منزلة.
وصل أرعانيت وانتظر دوره في المثول أمام سيده،
دخل هو والمجموعة التي في دوره، وهاهو يقف والفخر يملؤه وهو يرى إبليس يجلس على عرشه الذي جعله على الماء يستقبل الشياطين في مجموعات ويستمع لكل شيطان وهو يحكي له مافعل لبني البشر،فهذا يقول جعلته يسرق فيقول إبليس ليس بشيء فينكس الشيطان رأسه ويرحل فيقول الآخر لم أتركه حتى جعلته ينشب شجارًا ويقتل رجلًا فيقول إبليس ليس بشيء فيطأطئ الشيطان رأسه ويرحل في صمت وهكذا وأرعانيت ينظر ويرفع رأسه ويبتسم في فخرٍ حتى أتى دوره فحكى لإبليس فقال له نفس ما قاله لمن يسبقوه فتملك منه الغيظ ووقف بعيدًا يتأمل حتى رأى شيطانًا قد قال له إبليس أدنو مني واجلس بقربي، سأل أرعانيت بحماس ماذا فعل ليقترب من إبليس فأجابوه أنه فرق بين رجل وزوجته، لمعت عيني أرعانيت فقد عرف الآن ما سيفعل ليصبح ذا مكانة في قومه.
طار عائدًا للقرية وبدأ يبث في نفوس رجالها ونساءها الشر حتى سادت المشاكل بيوت القرية، أصبح يوسوس لهذا فيضرب زوجته ضربًا مبرحًا ثم يوسوس لها أن ترد له الضرب ولكن في لحظات ضعفه فهي بالطبع لاتضاهيه قوة ولن تستطيع ملاحقة ضرباته فينفث في أذنها ان تضع له منومًا في شرابه ثم تنهال عليه بالضرب إذا نام حتى تُكسر عظامه ويصبح عِبرة لمن يعتبر، ويرى هذه قد فاض بها الكيل من زوجها وهمومه وصياحه المتكرر بها والذي نتج أيضًا عن وساوسه فيوسوس لها أن تقتله وتتخلص من جثته ومن همومه ومشاكله، ويستغل ضعف هذه وبكاءها المتكرر إذا ما أذاها زوجها لفظًا فيوسوس له بضربها وإهانتها بالقول المستمر أنها نكد ووجه شؤم عليه ولا يزال يعنفها حتى تموت بين يديه، والعديد من أشكال التفريق بين الزوجين شاملًا الخلع بلا سبب يستدعي، تدخل أي شخص في علاقة الرجل بزوجته أو الزوجة بزوجها ما زال هكذا ينفث سمه في كل علاقة بشتى الطرق وبكل الأذاءات الممكنة حتى انتهى من جميع بيوت القرية،ولكن ما زال هناك عبد الرحمن وعائلته الذي دائمًا ما يفضل جعله آخر بيت يزوره في القرية لعلمه بقوة إيمان أهل هذا البيت وصعوبة السيطرة عليهم.
في بيت الحاج عبد الرحمن يقف أرعانيت يتحين أي لحظة غضب بين يوسف وزوجته حتى يتمكن منهم وهاهو يوسف يدخل من باب المنزل ليجد زوجته لم تُعِدَ طعام الغداء بعد ووالدته مريضة ووالده ليس بالبيت، يبحث عن زوجته فيجدها تمسك بهاتفها وتتحدث فيه، يأخذه من يدها يرميه أرضًا بكل ما أوتي من قوة فتصبح أجزاءه في كل مكان ويصرخ بها ( ما نفعك في الحياة؟ لا طعام لنا ولا دواء لأمي؟) لم يصبر ليسمع مبررها ورفع يده ونزل بها على وجهها وأخذ يضربها بدون أن يسمح لها أن تشرح له ما حدث ركضت مسرعة تحاول أن تهرب من ضرباته المتكررة وهو يركض خلفها غي كل مكان وينهال عليها بالضرب وهو يقول (سأعلمكِ كيف تحترمين مرض أمي وتراعيها في غيابي) ، وكلما حاولت الإفلات منه تمكن منها وزاد في قوة ضرباته، دفعته بقوة وركضت دخلت المطبخ وأمسكت سكينًا وهي تصرخ به منهارة،
بينما كان الحاج عبد الرحمن عائدًا من الخارج إذ سمع صراخها وصوت ابنه العالِ فأقبل على البيت مسرعًا ودخل فرأها تمسك السكين وهي تصرخ بشدة لا يتبين ما تقول من شدة صراخها اقترب من يوسف وأخبره أن يخرج من البيت سريعًا وما إن خرج حتى رمت زوجته السكين وجلست على الأرض تبكي بشدة وتحكي لحماها ما حدث، سمعها الحاج عبد الرحمن حتى أنهت كلامها ثم حدثها عن خطورة إمساكها بالسكين في وقت الغضب فأخبرته أنها فقط كانت تحاول إخافته ليبتعد عنها ويمنع بطش يده التي طالت كل مكان في جسدها فأمتلأ جسدها بالكدمات والجروح، شرح لها أن إمساكها بالسكين في هذا الوقت من الغضب ماهو إلا إشارة منها للشيطان أن يرمي رميته فيصيب بها من أمامها فيموت هو ويضيع مستقبلها هي وتفسد دنياها، هزت رأسها علامة على اقتناعها بكلماته فقال لها أن تدخل وتغسل وجهها أو تستحم فالماء قادر على تهدئتها فأومأت برأسها موافقة قَبل رأسها ودعا لها فقامت ودخلت الحمام، خرج الحاج من البيت ليرى أين ذهب ابنه فوجده يجلس خارجًا يستند إلى إحدى جدران البيت ضامًا ركبتيه إلى صدره واضعًا بينهما رأسه ذهب إليه والده ثم قال له ( لقد كنا منذ الصباح في المشفى مع والدتك وزوحتك كانت تساعدني في سندها وفي تحريكها ولم نعد من المشفى إلا قبل قليل أوصلتهم للبيت ثم ذهبت لأشتري العلاج والغداء) رفع يوسف رأسه وشعر بغصة تخنقه بعد سماعه الحقيقة من والده وتيقنه أنه تسرع في الحكم عليها وفي اتخاذ القرار بتعنيفها وتأديبها فأكمل والده ( قبل أن تمد يدك لتبطش وقبل أن تتجبر على الأضعف منك تذكر أن فوق كل قوي من هو أقوى منه وان الظلم قد يعود عليك ظلمات، لو لم أدخل البيت في هذا الوقت ربما لو كنت تأخرت فقط خمس دقائق كنت وصلت لأجدك جثة هامدة، فما نفع كل هذا؟؟ ما كل هذا إلا شر شيطان، فلا تدعه يتملك منك فليس القوي بالصرعة إنما القوي من يتملك نفسه عند الغضب فاحذر الغضب، ولا تجعل للشيطان بينك وبين زوجتك مكان) قبل يوسف يد والده ودخل البيت يبحث عن زوجته ويحاول ان يسترضيها.
انشر معنا على الموقع وتواصل معنا.
»»» للنشر والتواصل معنا اضغط هنا «««
أما الحاج عبد الرحمن فقد قرر بعد هذا أن يأخذ عائلته ويرحل من هذه القرية الظالم أهلها عَله ينجو بدينه وعائلته في مكان آخر لا يسوده السحر والشعوذة والفسق والفجور وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق يرحل للبدة لا يتسلط عليها شيطان يفرق بين المرء وزوجه، جمع عائلته ورحل عن القرية بلا عودة.
ساد الطلاق أهل القرية وزادت حوادث القتل والتعنيف والتعذيب بين أزواجها.
لم يحتفل أرعانيت هذه المرة بل ذهب مسرعًا ليزف هذا الخبر السعيد لإبليس الذي ما إن سمعه حتى تهلل وجهه وأدناه منه وعظّم شأنه بين قومه.
ومن وقتها أصبح أرعانيت سيدًا في قومه ووُكل بالتفريق بين الأزواج وبعث الفساد في البيوت.
وأمسى أرعانيت المسؤول عن كل هذه الطلاقات المنتشرة والزيجات الفاسدة وقضايا قتل الزوج لزوجته والزوجة لزوجها وكلما فرق بين زوجين كلما زاد فخره وعظُم شأنه وعَليت مكانته وسط الشياطين،
حتى أصبح أرعانيت أقربهم من إبليس منزلة وحاز على لقب لعين بجدارة.