يعيش بداخله
قصة قصيرة
تأليف/ حبيبة أحمد
قراءة القصة
يشعر بخيطان متلازمان، لكن كل منهم سلك طريقًا عكس الآخر، تصدع ميزان المحبة، ورجحت كافة الإحباط، وازداد قلب الرجل خوفًا من مستقبلًا مجهمٌّ مبهم، حتى أوجس من نفسه الخيفة.
يتآكل ما بداخله، تتناثر همومه على حافتي قلبه المتآكل، يخفق قلبه المحبط، اشتد ألمه، كان يجلس يرافق وحدته، بات عاشقًا لألمه المبتلى به، لا يعرف سواه، مهلًا لقد صار قاسم من المهشمين المنبوذين في الأرض، من مجتمعه وعائلته، لم يعد يقوى على إيقاف فكره المتصارع وآلامه، وصرخاته المدوية، الهشة، النابعة من أوجاعه الداخلية، تتضارب أنفاسه، لقد عاد ذلك الكابوس المزعج يراوده من جديد.
_قاسم.. قاسم.. المدلل.. الضعيف.. قاسم الفاشل.
_قاسن حبيس آلامه، وصاحب الأوجاع والقلب الهش.
يختنق على فراشه، تتململ أطرافه، وتتخشب ساقيه، وكأن هناك من يسحب روحه من داخله ويأرجحها في الهواء، يَحِس وكأن روحه صارت كلُعبةٍ في سيرك بين يدي مهرجٍ أحمق.
استفاق قاسم من كراه المزعج، بئس ذلك للنوم الذي يلقي بصاحبه إلى الهلاك.
ما زالت أذناه مشغولة بذاك الصوت الذي ينخلع له قلبه، صوت يتخلل أحشائه، ويتصدع له كيانه، يتخبط من داخله، لا يستطيع تمييز هوية ذاك الصوت الذي يربك أعماقه، ظل يتخبط بين طرقات المنزل، ما إن يخرج من غرفة حتى يدخل في أخرى، ظل هكذا لبضع دقائق حتى إصطدم جسده القوي بمرآة كبيرة معلقة على إحدى الحوائط في غرفةٍ من الغرف، وقف يحدق في انعكاس صورة عينيه في المرآة، لا يصدق ما تراه مقلتاه، تصبب عرقًا وغزا القلق معالم وجهه، شحبت عيناه من هول ما رآه، قاسم الشاب اليافع صاحب صاحب السادس والعشرون ربيعًا، والجه المنير كنور البدر في أوج إكتماله،
انشر معنا على الموقع وتواصل معنا.
»»» للنشر والتواصل معنا اضغط هنا «««
اشتد شيب رأسه وعلت التجاعيد وجنتاه، أصبح كالعجائز خوالي الضروس، ارتفع تخبطه، وازداد خفقان قلبه، مدَّ كفه بإرتياب إلى أحد الخزائن بجواره، وارتعب من هول ما المنظر، أخذ ينظر للمرآة الصغيرة بيده، مرآة ذات زخارف ليست بالبسيطة وبضع حبيبات من قطع الكريستال الثمينة المخضرة اللون ذات اللمعان، نظر إليها إذ به يجد نفسه على طبيعته، أخذ يحدق فيها مسح عينيه بكفيه وعاود النظر إليها مراتٍ ومراتٍ، مرة يجد نفسه قاسم الشاب العشريني، ومرة قاسم العجوز، تكرر الأمر بين الوجهين، وكأنه يتبادل الأقنعة في فترتين متباعدتين من فترات عمره، شعر بدوار أصاب دماغه وكأن الرعد قد اجتاح رأسه، أصبحت دماغه مشوشة، عاد ذلك الصوت يراده مرة أخرى، لكن هذه المرة اقترب الصوت منه حتى استطاع تمييزه:
_قاسم الهش، لا أظن أنك لا تعرفني أيها الفاشل، يا لك من أحمق حتى لا تستطيع تمييز صوت...!
لم يشعر بأنه وحده هذه المرة، أحَسَّ بأشباح وخيالات تحاوطه، تصاعدت أنفاسه وازداد الضجيج داخله، شعر أنه فقد توازنه، لم يستطع التشبث بأي شيء حوله ليستند عليه، لم يتدارك نفسه حتى سقط أرضًا مغشيًا عليه.
بعد أيام ليست بالقليلة، استفاق قاسم على ذلك الصوت لكن هذه المرة قد أدرك كنهه، إنها أمه تربت على كفه!
_فلتُفِق يا قاسم إنها أعراض مرضك، مرضك الخطير، أنت مصاب بداء الإنفصام يا ولدي!
غاب قاسم عن الوعي مرة أخرى لكن هذه المرة كانت للأبد، والآن أنا معالجه النفسي أكتب لكم خطابي هذا بعد وفاة جميع أفراد أسرته جميعًا دفعة في حادثٍ مريع يقشعر له كل بدنٍ صلب، ووالدته التي كانت تنعته دائمًا بالفاشل.
تعرض صديقنا قاسم للضغوطات النفسية والصدمات الملطخة ببعض الوعمات الصعبة حتى أصيب بالهلاوس، ورحل عن عالمنا