"آهات الروح"
إشراف: فريال كروش
مقدمة الكتاب:
لكل منّا حكاية تركت فيه أثرا لا يمحى إلا بطول الزمن ....
كعهد صديقة لم تفِ بوعدها....
أو كبسمة شخص غدر بامرأة أمنت عليه كل شيء ...
أو ربما حب إنسان صار مجرد صفحة بيضاء ...
أو حتى خذلان امرأة تحول إلى انتقام ...
نسير في واد الخيانة ، الوديعة ، الحب ، الانتقام......و لا نعلم في أي موقف سنقع .
نقبع بعالم حزين نحاول تخطيه يوميا فلا ربما ننجح أو نفشل ولكن آن لنا أن نصبر وآهات الروح لا تنتهي...
إهداء كتاب أهات الروح
الإهداء:
إلى كل من طرق بابه همّ أو حزن
إلى كل من صاحبه بؤس أو غمّ
إلى كل من أخذت منه الحياة أعز الناس
إلى كل من حكمه الدهر وسار به إلى النهر
وإلى كل من راوده حلم مخيف أو مر عليه ليل مُريع
هذا الكتاب هدية منا لكم عساه يتماثل مع حياتكم
انشر معنا على الموقع وتواصل معنا مباشرة
اقتباسات من كتاب آهات الروح
"انتقام وهمي"
بعد الثَّانية من كل أوَّل الدقائق للصباح ، أستيقظ مفزوعة من صوت الباب الذي يكاد أن ينكسر من قوة وصده، أرى ذاك المشهد الذي يتكرر عرضُه باِستمرار ، كأنه مقطع تُوِّج بخلوده في أيقونةٍ مقدسةٍ ، شخصٌ يتمايل يمنةً ثم يسرةً ،عَبَق برائحة نبيذٍ فاخرٍ ، تدفعُ حسابهُ أناملي التي لا ترتاح من ضَنك الشُّغل .
نعم ، والدي هو الثمِل الذي دبَّ الرعب في قلبي، و أنا لا أفقه من الدُّنيا سوى بعض حروف الأبجَّدية ، و التي دائما ما أتلعثم في نطقها ، شنَّ حرب الأعداء الأحباب بين اِبنة يسكنها يتمٌ قاتلٌ فتاكٌ ، و أب متنصلٍ عن مسؤوليةِ الأسرةِ و عبء العيالِ .
لطالما كنت أتمنى اِصطحابه لي في أول يوم لي ، و أنا تلميذة تخجل حتى من نطق إسم والدها على عضلتها المرنةِ ، كأنَّها لا تقوى على جمع الكلمة، فهي تفضل تهجئتها بوجه الخصوص، أقلعت عن الدراسة و أنا صفحة بيضاء لم ترَ من الدنس شيء إلَّا قسوة أبٍ جافٍ، و هذا
كله لتوفّر له سمّه البطيء القاتل.
....غرزت داخل قلبه خنجرا حادًا أبيضًا ناصعًا كبراءتي السابقة ، تركته ملقًى على البلاط، ملوِّنا إياه بدماءٍ حمراءٍ قاتمة، حارة توشك على إتلاف الأرضية المحيطة بي ، هممت بالذهاب و لم تنتابنِي ذرة شفقة تُجاه تلك الجثة السَّاكنة بجانبي.
هكذا أقوم بتأليف سيناريوهات وهمية فاشلة، بطلتها أنا و أبي.
فأريد أن تتحرَّك أبوَّتك صوْبي، و أضمك باِشتياق يا "روح اِبنتك"
انشر معنا على الموقع وتواصل معنا مباشرة
-------------------------------------------------------------------
"قلب حقود"
تشاجرت مع صديقي منذ أيّامٍ
عدت إلى المنزل دون أن أودعه ولا أن يودّعني هو الآخر ، لم أعرف من منّا المخطئ ! أنا أو هو ،آيا كان، فالأمر لا يشغل بالي كثيرًا ولم أفكّر كيف سيتم الصٍلح بَيننا ،في الحقيقة كان هو من يقوم بتدبير موعد للقائنا وأثناء ذلك يعتذر منّي ،نعم كان يعتذر هو دائما رغم أنني دائما من يخطئ وأكسر بخاطره ،كنت أعْلم أنّه يحبّني ولا يَقوى على فراقي ،أعلم أنّه لا يقوى على بعدي ،فإن لم تأتي به الصّدفة سيأتي به شوقه وحنينه لي، كان لين القلب والمشاكل ،لطالما أخبرني أن يومِي بدونه بشعٌ ،وأن السّهر بدوني يشعره أنّ الليل أطول ،أن ّ عدم مشاركتي لطعامه يفقده لذّة الأكل، كُنت أقول بيني وبين نفسي يا لَه مِن غبيّ وتافه ،لماذا يُكِنّ لي كل هذي المشاعر وأنا دائما أجرحه بكلامي وأفعالي ،انا أغذي نرجَسيّتي من اعتذاراته ومن ضعفه أمام حبّي ،لم أبادِله يوما المشاعر ،ولم أعطه أي اهتمام، لكنّه مازال يحبّني ،أنّه جبان لا يقوى على فِراقي ، هو لا يدري كم أنّي أكره كونه لطيف جدا معب، وأكرهه هو أيضا لا أطيق صحبته ولا اهتمامه بي ،أشعر بالاشمئزاز في كل مرّة يعود نحوي معتذرا ،أليس لديه كِبرياء ولا عزّة نفسٍ تمنَعه ولو لمرّة واحدةٍ ،الَا يخبره قلبه أنني أتجنبه وأكرهه ،أم أنّه يُكذِّب ظنونه ويبقى عالقا بي، لكن الأمر بلغ حده لم أعد أطيق الوضع أكثر إنه يغمرني باهتمامه وكلماته اللطيفة ألا يعلم أننّي عشتُ وحيدًا ولا استحق صحبة أحد لا استحق كل هذه المشاعر ، سأواجه للمرة العشرون بأنني أكرهه، لكن ما الفائدة هو سيقول كالعادة لابأس انتَ منزعج فقط انا سأبقى معكَ دائما ،هذِه. الجملة تزيدني كرهًا له، انا فعلا أكره حقيقة أن هناك أشخاص يحبونني أنا وحيد وأريد أن أموت وحيدا لا أريد محبة أحدٍ.
في العادة النرجسيون أمثالي يحبون كون الناس معجبون بهم أمّا أنا فلا يروق لي هذا ، صديقي يعلم أن أمي طردتني من المنزل فقط لكوني كنت أعنفها لأنها كانت تحذرني من أن أطيل السّهر وأن أبتعد عن المخدرات، هي تعلم أنني أكره الأوامر، لكنها تأمرني باستمرار بحجة أنها تخاف عليّ ،أنا واعي ولا أحد يتحكم بي ،أنا أخطط الآن للانتقام منها لفعلتها لقد جعلت منّي شخص مشردًا ،لن ينطفئ لهيب الحقد حتى أراها غارقة في دمائها، صديقي يعلم بكل مخططاتي والحقد الذي في قلبي رغم هذا فهو لا يزال يريد قرابتي ،أخبرته عن خطتي لقتل أمي لم أخبره انني أخطط لقتله كذلك ،لن أخبره بالطريقة مباشرة، فحين طلبت منه أن يبتعد عني لم يأبَه ،لكنه أراد الموت سيلقى ما أراد.
من السهل أن يكرهك الجميع بفعل جارح بكسر خاطر ،أما نيل محبة الناس أمر صعبٌ، لذا حافظ على أحبائك ولا تكن قاس معهم ،وأغفر زلاتهم وتفهم ظروفهم وأحسن الظنّ بهم ،ولعل أمك أولى بكل هذا .
انشر معنا على الموقع وتواصل معنا مباشرة
-------------------------------------------------------------------
"قيد انتقامي"
وقف أمام مركزِ الشّرطَة وأخَذ يتَذكَّر قبل أسبوعين ،عندَما ركِب قِطاره متَّجِها نحو مدينةِ فينِيسْيا، بداخِله رغبة واحدة فقط "الانتقام".. جَلس قُرب النَّافِذة , وأخرج من جيبه صورة قديمة ملطّخة بالدّماء لتعود به إلى تلك اللّيلة اللّعينة ، اللّيلة التي أبت تفاصيلها ان تخرج من ذاكرته...
كانت إحدى ليالي ديسمبر البّاردة وكان' ماثيو 'حينها لا يزال سوى طفل بريئ لم يبلغ من العمر الّا خمس سنوات لا يزال يتذكّر حضن أخيه الدافئ عندما حمله بين يديه حتّى لا تتأثر قدماه الصّغيرتين بالثّلج حينها، وأخذا يتجولان في الأزقة بحثا عن مكان يقضيان فيهما الليل، طفلان صغيرين عصفت بهما رياح الحياة لتلقي بهما في الأزقة والشوارع بين أنياب وحوش لا تعرف الرّحمة ، لا يعلمان شيئًا عن الحياة غير أنهما أولاد شوارع كما ينعتهم المارة... و دائما وفي كل مرة كان "ماثيو" يسأل فيها أخيه "ريكاردو" عن معنى تلك الكلمة كان يجيبه :«نحن من الجنّة نزلنا من هناك من تلك السماء البعيدة ولا مكان آخر لنعيش فيه غير الشّارع لذا نحن أولاد شوارع» ... كانا سعداء جدا، بالرغم من أن الشارع كان مكانا خطرا على صغيرين مثلهما لكنّ "ريكاردو" كان ذكيًا جدًا وكان يجيد تماما كيف يحمي "ماثيو" . بالرغم من أنهما يتعبان كثيرا لأجل إيجاد لقمة يأكلانها أو لإيجاد مكان ينامان فيه لكن لم تكن الضحكات الطفولية تغادر أفواههم حتى جاءت تلك الليلة اللعينة كان "ريكاردو" قد أحضر قطعة رغيف وجبن "لماثيو" وحمله بين يديه وذهبا يبحثان عن مكان يأويهما، ليصادفوا في طريقهم تلك الوحوش الضارية عصابة «كامورا» كانت عصابة معروفة جدا في أرجاء إيطاليا، لأول مرة كان" ماثيو" يشعر بالخوف وهو بين أحضان أخيه لا يزال يتذكّر ملامح أخيه الخائفة وكيف أخذ يركض بسرعة حامِلا إيّاه بين يديه ، إلى أن انتهت بهما الطريق الى زقاق ضيق مسدود أسرع وساعده ليتسلّق الجدار وينجو بحياته لكن "ريكاردو" لم يستطع ذلك، استند "ماثيو" على الجهة الأخرى من الجدار ، يسمع صوت أخيه وهو يصرخ قائلا: « أهرب ياماثيو أهرب بعيدا ياأخي...» لم يستطع الحِراك أبدا ظل مستندا على ذلك الحائط يغطي وجهه البريء بكفيه الصغيرتين والدموع تنهمر من عيونه الزرقاء الفاتنة إلى أن غاب عن مسامعه صوت أخيه تسلق الجدار مرة أخرى ليجد صورة تجمعه وأخيه مرمية على الأرض تغطيها دماؤه النقية. وجد ماثيو نفسه بين لحظة وأخرى وحيدا في الأزقة ودم أخيه يغطي يديه ، لقد رحل ريكاردو إلى الجنة رحل وترك ماثيو ضائعا ووحيدا لا دليل له ..
هاهو ذا "ماثيو" اليوم قد صار شابا نافعا وفهم تماما معنى كلمة شارع علم تماما ماذا كانت تعنيه تلك الدماء واستطاع أن يفهم تماما ملامح الخوف التي كانت تعتري وجه أخيه تلك الليلة "ماثيو" اليوم صارا فردا مميزا من افراد عصابة "كامورا" واليوم فقط سيلتقي بالعقل المدبر وسيشفي غليل حقده سينتقم لروح أخيه وسينهي ذلك الألم الذي يقبع داخل صدره، اليوم فقط بعد سنين من الإنتظار "ماثيو" سيستطيع أن يتحرر من قيد أحزانه سيستطيع الانتقام سيستطيع ايجاد السلام ...
وصل "ماثيو" ووقف منتظرا الى أن جاءت سيارة سوداء فخمة ركبها لتنطلق به نحو ضالته دخل من ذلك الباب الخشبي الأنيق ليجد نفسه داخل مكتب أقل ما يقال عنه فخم كانت جدرانه مطلية بِطلاء بُنّي لامع زينتها لوحات فنية جميلة في المنتصف تقابله طاولة زجاجية فخمة أنيقة ومعاصرة يجلس خلفها "ساندرو" رئيس منظمة المافيا التي كانت سببا في معاناة "ماثيو" الصغير طلب "ساندرو" من "ماثيو" أن يذهبا سوية إلى مكان هادئ يتحدثان فيه عن أكبر عملية ستقوم بها العصابة وكانت مهمة تنفيذها على عاتق رجل المافيا "ماثيو" ،لم يجد فرصة ذهبية كهذه ها هما الآن يذهبان بعيدا عن الجميع فقط القاتل والضحية ليتبادلو الأدوار ويحقق "ماثيو" انتقامه.
الآن وعلى الرغم من أنه استطاع الانتقام إلا أنه لم يجد الشعور بالرضى لم يشعر بالسلام الداخلي ولم تنتهي معاناته "ماثيو" اليوم يقف أمام مركز الشرطة وسيسلم نفسه للعدالة فقد بات يعلم تماما أن الانتقام لم يعد إليه "ريكاردو" أدرك تماما أنه أنهى حياته وهو يركض وراء كلب عضه ليعضه هو أيضا لم يجد شعور الأمان الذي غادره ولم يستطع أن يلملم شتات روحه مرّة أخرى ....
.