تصميم غلاف: كوكي انور
نبذة تعريفية عن الكاتبة:
الاسم: سعيدة الريفي حيتول
السن: 43 سنة
البلد : المغرب
الدراسة: باكلوريا
انشر معنا على الموقع وتواصل معنا مباشرة
قراءة قصة " ليلة الهروب "
كان عمر صبيا لا يتجاوز الثانية عشر من عمره، يعيش في قرية تحت سفح الجبل ، كان يتيم الأب، قام زوج الأم بأخده ليعمل عند( القايد) فور أن تزوجها، انتزعه من أحضانها مبررا بأن ذلك سيجعل منه رجلا، و ماهي الا وسيلة ليتخلص منه، كان (القايد )رجل طويل القامة عريض المنكبين، يتنازع اللونان الأبيض والأسود على شعره. في عامه الثامن والأربعين، لديه لفيفًا من الأبناء .كان الكل يهابه لما عرف عليه من قسوته وتجبره ،تردد هذا الأخير في قبوله، فسنه صغير هزيل البنية شاحب اللون، لكن زوج أمه أكد له أنه ذكي و نزق رغم صغر سنه، و فوق هذا لن يأخد منه الأجر، ما عليه الا أن يبقيه عنده و يؤمن له مكانا يبيت فيه و يطعمه، وافق فهي صفقة مربحة يرعى مقابل لا شيء . سوى كسرة الخبز، اعتاد أن يأخذ قطيع الأغنام إلى المرعى القريب من المرج صبحا ولا يرجع الا مساءا ،يتركها ترعى بينما يتمدد هو على الأرض يحملق في السماء بين السحب و يسرح به خياله، أمامه تلك الصرة الصغيرة من الطعام التي لا تسد جوعه . غالبا ما كانت الأغنام تسرح في الحقل المجاور دون انتباهه...... لم يشعر الا بكتلة الطوبة وهي تتكسر عند أقدامه
-ويلك !! صرخ القايد و هو يمتطي فرسه تركت الأغنام تأكل الزرع و أنت تلهو؟؟ .
اشتعلت عيناه غضبا وانتفخت أوداجه ،
وانطلق على فرسه ....
ارتعش الصغير خوفا ،فليلته لن تمر مرور الكرام فقد اعتاد أن يضع الأغلال في رجله و يضربه بالسوط حتى يشفي غليله جراء تهاونه، صرخات المسكين وتوسله لم تشفع له ، أخد عمر بعد ذلك مكبلا إلى الإسطبل ، ليمضي اللية هناك .
ها هي زوجة(القايد ) قادمة تحمل كسرة خبز و سكبة زيت زيتون، نظرت بحزن إلى وجهه المتسخ و أثر الدمع المنحدرة على خده تألمت لحاله.
-أسفة يا صغيري أنت تعرف أنه قاس القلب ولم أستطع منعه من ضربك ....ياليتك تستطيع الهرب، وكأنها بذلك تعطيه الضوء الأخضر .... ازدرد كسرة الخبز و هو يمسح دموعه بكمه المتسخ ، رائحة روث البقر تعم المكان و تجعله يشعر بالغثيان ، الا أن أنفاس الأبقار تجعل المكان دافئ.
استسلم أخيرا إلى النوم و هو ينازع .....بعدما أرخى الليل سدوله ، بعد غفوته أدرك أن عليه أن ينجو بجلده والا سيقتله( القايد) لا محالة . حاول أن التخلص من أغلاله عبثا يصعب فكها تحسس طبق الزيت، أخد يدهن عقب قدمه و يسحب ....ويسحب...... لحسن حظه أنه نحيف أخرج الأولى و بعد ذلك الثانية.... التمس طريقه في الظلام الدامس لا يسمع انفاس الابقار وصل إلى الباب نعم إنها الحرية،أخرج يده من ذلك الثقب خلفه ليسقط اللوح الخشبي المسمى( بالعراط ) الذي يبقيه مقفولا، و خرج يمشي على أصابع قدميه التي تنزف دما .....الحمد لله أنها ليلة مقمرة، شق طريقه بين الحقول رغم الألم يحاول أن يجري تارة و يبطيء تارة أخرى ، وكل همه أن لا يطلع عليه ضوء النهار و هو لا يزال قريبا . قدماه لم تعد تحملانه فقرر أن يأخد استراحة سند ظهره إلى شجرة البلوط ضم ركبتيه إليه غطى رأسه بقب جلبابه الرث يترقب بخوف شديد .
سرعان ما تثاقل جفنه من التعب و استسلم إلى نوم عميق لم يستفق إلّا على نباح الكلاب لا بد أنه (القايد) يبحث عنه هو و كلابه ......ارتعب أخد يجري لم يهتم بألم قدميه المهم أن ينعم بالحرية .....وصل أخيرا إلى الطريق المعبد ها هي سيارة السلع قادمة تشبت بها و القى بنفسه داخلها ،حشر جسده النحيل بين الرزم و حاول أن يبقى هادئا حتى لا يشعر السائق بوجوده، بعد ساعات وقفت الشاحنة أخرج رأسه الصغير
تنفس الصعداء و أشرقت شمس حريته .
نزل من الشاحنة دخل السوق، كان يرمي بصره الخائف بين الباعة وما يفترشون من خضار و فواكه ، شعر بالجوع يلذع أحشاءه .
اقترب من أحدهم بصوته الخافت يكاد يصل إلى أذنيه الصغيرتين سيدي ،أشعر بالجوع...
-لا تخف يا صغير تقدم خد تفاحة وكلها
و عندي لك بعض الخبز .
-أشكرك سيدي
قبل أن يهم بالمغادرة ناداه
أنت !ياصغير ماسمك
-عمر سيدي .....عمر
-يبدو أنك لست من هنا ؟؟
أنا يتيم أتيت من البادية
خد ياعمر سأعطيك خمسة دراهم اشتري بها أكياس البلاستيكية، من عند تاجر الجملة و اسرح بيها بين الناس بع الواحدة بخمسين سنتيم، وعد في المساء ،ساتركك تنام في الدكان ،وهكذا كان تقاذفته الأيام
تارة يبيع الأكياس البلاستيكية . و تارة يساعد في حمل السلع، يجود عليه التجار ببعض الطعام و بعض الاكراميات، لتبدأ قصة معاناة من نوع أخر .