تصميم غلاف: مريم جمعة.
تحت إشراف : خديرش زينب سلسبيل.
تدقيق : معزي دنيا شهرازاد.
إهداء الكتاب:
إلى من التهمت النيران غطائها الأخضر...فأصبحت رمادا أسودا...لكنها لم تستسلم يوما...و ستكون مزهرة دوما... إليك يا جزائرنا إلى من ألقوا بنفسهم وسط النيران المشتعلة ...لا يهمهم الموت لأن مئواهم جنة... إليكم يا شهداء الوطن إلى كل قلب بكى حرقة على فقدان حبيب...و كل امرئ ساعد من بعيد أو قريب... إليكم يا أهل الجزائر نهدي هذا العمل.
انشر معنا على الموقع وتواصل معنا مباشرة
اقتباسات من كتاب " برداً وسلاماً "
تعز علي بلادي.
رحم الله شهدائنا وحمى الله رجالنا وشعبنا وَلَا تَحسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ... اللهُمَّ تَقبل شُهَدائّنا وأرنا عجائب قدرتك في الظالمين الكفرة الفجرة إنهم لا يعجزونك يارب العالمين حسبنا الله ونعم الوكيل في وطني لم يعد الموت مرعباً... لأن الحياة أصبحت أشد رعبا.
في وطني طالت المسرحية... ومات المشاهدون.
في وطني تمتلىء صدور الأبطال بالشهادة وتمتلىء بطون الخونة بالمال. في وطني الجميع يبكي على الوطن... وهم أصل المشكلة.
لا نامت أعين الجبناء أما عن وطني : سيحيا بعد كربته ربيعاً كأنه لم يذُق بالأمس مُرا تعزُ عليّ بلادي ، وتعزُ عليّ أحزانها ، يا عناية اللّه المشدّدة التفّي حول وطني ، بسم الله على الجزائر حتى يطمئن فُؤادها، أحبّ وطني ولا أستطيع رؤيته ينزِف، أحبّ وطني وأبكي عليهِ من إهمالِ حكّامِه، أخاف أن استيقظ إحدى الأيام فأكون ضحيةّ جديدة تسردها صفحاتُ الأخبار، أخشى أن تأتي علي لحظة أصبِح فيها قصّة مأساويّة تتصدّر عناوين الأخبار، أخاف على عائلتي رفاقي وجميعُ أبناء وطَني، أن يصبحوا قطرة دمٍ أخرى ينزفها الوطن مثل شهيد وطننا الحبيب جمال!... وهل بقي جمال في عالم طغت فيه شبهات الفتن على معالم الوطن؟! وغطى دخان الحرائق على الحقائق، فتعسرت الرؤية، وتداخل الحق بالباطل، وتشابهت طرائق السير على السائرين، واختلت الموازين لدى كثير من الناس فمِنْ فَوقِ أهوالِ الحرائقِ أتَا لـنا ملاك مِنه الجَمالُ تَمكَّنـا عَلـمٌ يُرفرفُ في يمينه عاليًا ألوانهُ تُخفي الرّمادَ المُحزِنـا هو بطل جاء يعلِّمُ أمةً ويقول اصحاب الفتن انظرو لي أنا مهما فعلتم في بلادي إنَّنـا سنظلُّ يدًا واحدة وجسدًا واحدًا رغم أنوفكم حتمًا هُنـا
-إنّما نحنُ أبناء الجزائر العظيمة ، نُحبُّها نيابةً عَن كُلِّ الذينَ باعُوها.
شهيد الإنسانية
بربك ماذا أحسست وانت تطلق تلك الصرخات احسبتها النهاية ام كنت تأمل حضور النجاة ألعنت حضورك لهذا المكان في تلك اللحظات أم رضيت بالقدر وفمك يتلو الشهادات ادعوت على من آذاك وأن لا يذهب دمك هباء ام توقف عقلك عن التفكير من شدة الضربات كيف كان شعورك والسكين يمزق العضلات أحسست بالظلم وحاولت الدفاع ام استسلمت للقضاء جعلوك كبش فداء فذوقوك أصناف العذاب ليكن لك أجرا إن شاء الله أتراك عرفت بهدفهم الخبيث وأنهم أرادوا زراعة الفتنة بين المسلمين فويل لهم نحن إخوة في الدين ولن ينجح مخطط المرتزقة اللعين فإرهابهم وفعلتهم ذات الطبع الشنيع لا تمثل الا شلة من المجرمين فسيبقى شامخا متوحدا هذا الوطن العزيز لم تستطع الكلام ورغبت بشربة ماء فأعطوك بنزينا يشوي الأحشاء زادوك سبا وشتما يوجع الأذان قلت، قلت : تمهلوا لا تفعلو ستندمون لكنهم لم يتريثوا ولم يسمعوك أخرجوك وعلى الأرض سحبوك بنزينا صبوا عليك وأشعلوك بلا رحمة هتفوا فرحين وقلبوك أتراك أحسست بذاك الألم الفضيع أتراك دعوت كي تتعجل روحك بالرحيل تأكد ، تأكد حقك لن يضيع في الدنيا وعند رب العالمين بردا وسلاما عليك أيها الشهيد قد نلت مرتبة التشريف فهنيئا لك الجنة مع النبيين والصديقين سمت روحك وإرتقت للرحيم وذكراك خُلدت في سجل التاريخ رافقتك دعوات الكبير والصغير فذاك يتصدق عليك والثاني يُبكيك وآخر يعتمر راجيا وصول ثوابها لك في جنات النعيم ما السر الذي بينك وبين الله يا جمال قد طبت حيا وميتا فالرحمة عليك والسلام .
روح بين النيران
في زمننا المجهول هذا، يبدأ العد التنازلي عكس عقارب الساعة لكوكب دامس ظالم، يصعب فيه ترصد الأنباء. بلد عريق بعاداته وتقاليده، باختلاف ثقافاته وعقائده، ننظر إليه ورغم الألم بأمل واسع النطاق لايكسره خروج دولة عن السيطرة، ولا يوقفه لا قتل شنيع ولا سجن مؤبد مدى الحياة. بالضبط إنها تفاصيل أحداث لم تكن في الحسبان.
في ليلة من ليالي الصيف، في العاشر أوت من يوم الثلاثاء، بينما تعم السكينة والرحمة في قلب كل جزائري، تدابير تحاك من خلفنا، خطط جهنمية تنفذ بأتم دقة. كابوس مرعب يحل بنا وكأنه نيزك كبير الحجم يسقط ويدمر كل ماحوله، العقل في ذهول والجسد في شلل تام، رائحة دخان تعم في كل مكان وتؤثر بالخصوص على منطقة القبائل ، لا أحد يدري ما يحدث! بالكاد إنتبهوا لنيران قوية، ماذا يسعهم فعله الآن؟ لاوقت باق للتفكير، أجساد بين الموت والحياة، يا إلهي النجدة! كل شيء يمشي كما خطط له تماما، حتما لهيب حقد قد أصاب مدبري هاته العملية الشيطانية، أرواح تفارقنا وما باليد حيلة، قلة هم من نفذوا وكثرة هم الضحايا، العين ترى والقلب ينزف جرحا لكن الضماد إنعدم ولا قوة من القوات الأمنية تتدخل، إنه لأمر غريب ومريب في الوقت ذاته! لازال الخوف قائما لحد الساعة، لا أظن أن أحدا قادر على غلق رمشه، عائلات فقدت نفسها، أغلى ممتلك لها، وأخرى رغم نجاتهم ظلوا بلا مأوى. وتستمر هاته الحالة، ويستمر معها مساندة الشعب الجزائري لبعضهم البعض، الكل يد واحدة، أبناء أمة عظيمة يتحدون ويتخطون الصعاب كما لم ترونهم من قبل!
في هاته الأثناء التي يسودها الأمن والأمان بعد كل مامررنا به، نار أخرى أشد ضررا تشتعل، إنها نار الفتنة: جريمة قتل بشعة في حق إنسان لحافه البساطة، عنوانه التواضع ومبدأه مساعدة الاخرين. أراد جرعة ماء فأشربوه رشفة بنزين، سفكوا دماءه بالسكين وأحرقوه كباقي إخوانه، حقا أتساءل هل هؤلاء من جنس البشر؟ في دولة خالية من العدل، ويا للأسف، هكذا يكون مصير من يسعى لإظهار الحق! يداي ترتجف حينما أتذكرك ياجمال، رحمة الله عليك وعلى من سبقوك.
ورغم كل ماحل بنا، نحن أقوى من أن نستسلم بهذه السهولة، نحن جيش عنيد جبار لا يستسلم لإعتقاله و لا يقف عند إنكساره كقول الشاعر-سميح القاسم-: "لكني أؤمن يا أماه أن روعة الحياة تولد في معتقلي"، فاللهم بردا وسلاما على بلد المليون ونصف شهيد!".
انشر معنا على الموقع وتواصل معنا مباشرة
شهيد أنا
لم يكن الأمر سهلا كما تتصور فعندما دخلت إلى الغابة و رأيت الحرائق المرعبة لم أستطع التفكير سوى في المواطنين الذين تحاصرهم ألسنة النيران ؛ أيقضني من شرودي صوت القائد وهو يقول لنا أن أسرعو فهنالك امرأة عجوز وابنها أحضروهما ... لست أدري كيف انطلقت بسرعة لنجدة من تربص شبح الموت به ، حرائق مهيبة أكلت الأخضر واليابس ، كان همي الوحيد هو نجدتهم و إيصالهم لبر الأمان ؛ لطالما قلت في نفسي أن ارتداء البذلة العسكرية تضحية وقد جاء دوري لأضحي بنفسي كي يحيا وطنا عاهدت أن أفديه بروحي ودمي ... أصوات كثيرة حولي ، صراخ وبكاء ، طلب للنجدة ، كنت أنا بمثابة فارسهم المغوار الذي وقف أمام شبح الموت دون خوف مدركا بأنني إن مت كنت شهيدا تفتخر به كل الجزائر ... الدخان هنا يتصاعد بكثافة بالكاد أستطيع الرؤية ، صوت ما يطلب نجدتي !! حسنا ، سألبي النداء ... رائحة الموت تفوح في المكان ، أصدقاء لي قد سقطوا أرضا ؛ قاومت ذلك الشعور الذي كاد أن يجعل كل أطرافي تصاب بالشلل ؛ حملت نفسي مسرعا نحو كل مواطن محاصر ، شعرت أنني في حرب ولا بد أن أنتصر ... النيران هنا لا تشبع !! أكلت كل شيء و لا زالت تطالب بالمزيد ، حتى أنها قد ترغب في أكلي أنا أيضا ! لا بأس سأقاوم ، الأكسجين ينفذ هنا ! نبضات قلبي تخفق بسرعة ، أهي النهاية ؟ لا لن أستسلم أنا الأمل هنا ... سأواصل أجل ، سأقاوم طبعا لآخر نفس ، سأنجح و إن كان الأمر مستحيلا ، لطالما قالت لي أمي أنني بطل ، حسنا ، سأكون بطل هذه القصة أيضا و أنقذ الجميع .. عقدت العزم أن أمشي بخطوات واثقة نحو بريق الأمل الذي غطاه الدخان المتصاعد في السماء ، اخترقت ألسنة النيران التي تزداد احمرارا و شراسة كأنها وحش شرس لا يعرف الرحمة ، في طريقي نحو شاب في مقتبل العمر عالقا وسطها ، وجدت صديقي ملقى على الأرض ... مالذي جرى له ، لالا لن يحصل له مكروه إنه بطل ، انحنيت إليه أتفحص نبضه ، لا نبض !! ماهذااا ؟ لا يمكن أن ترحل بهذه السهولة استيقظ رجاءا ، لا ترحل ... بالأمس فقط كنا نأكل سويا ، بالأمس فقط كنت تحكي لنا عن خطيبتك المجنونة المهووس بها و بتفاصيلها ، أتتركها بهذه السهولة ؟ استيقظ يا أخي ... لم أستطع تمالك أعصابي انهرت تماما ، انسابت الدموع من عيني رغما عني ، لم أستطع أن أتركه و أمشي ولكن مالبيد حيلة ، نهضت تاركا حسرتي و دموعي على جنب متجها إلى الشاب كي أساعده ...هو يطلب نجدتي لا يمكن أن أخذله !! اتجهت نحوه محاولا بكل ما أوتيت من قوة أن أبعد النيران عنه ... كان الأمر شبه مستحيل ولكن لم أيأس و لو للحظة وبعد عدة محاولات استطعت أن أخرجه من هذا الجحيم و لكنني علقت فيه ! اقتربت النيران مني بسرعة كبيرة و كأنها تريد أن تغير لوني الجميل ، ربما سينجدني شخص ما ، لا مالذي أقوله أنا البطل هنا ، أصبح الوضع حرجا بالكاد أستطيع أن أتنفس ... صرت أتصبب عرقا أشعر و كأنها النهاية. انعدمت الرؤية هنا ، هل سأموت حقا ؟ ماذا عن زوجتي و طفلي الصغير من سيعتني بهما ؟ لالا أنجدني يالله ، أنا أطبخ هنا ــ إن الأمر أشبه بكابوس مزعج جدا ، أنا أسمع ضحكات في منزلي ، إنه ابني الذي لم أراه منذ شهرين يركض وراء قطة اشتريتها له في عيد مولده ، لطالما انزعجت زوجتي منها كونها قطة شقية ... مالذي يحدث لي ! هل أنا أهلوس ؟ لقد بات الأمر لا يطاق ، سيغمى علي ... شريط حياتي يمر أمام عيني ، هنا كنت ألعب ، هنا ضحكت وهنا بكيت ، انا اتذكر أول يوم لي في الثكنة و تذمري من التدريبات القاسية ، أنا أتذكر كل شيء ، أتذكر العهد الذي قطعته حينما ارتديت البذلة و ها أنا الآن أوفي بعهدي ... سأغادر تاركا ورائي أسرتي و أحلامي ، استطاعت النيران أن تنهش من جسدي حتى أن السلاح الذي بحوزتي لا يجدي نفعا هنا ، اختنقت تماما أنا أشعر بألم رهيب ، اتمنى أن تطلع روحي و أتخلص من هذا الألم ... كيف ستكون حالة أمي عندما يأتيها خبر استشهادي ؟ لا بأس ستنسى مع الوقت ، بل ستفتخر بابنها الشهيد . سأنطق الشهادة ، سأستشهد يا أماه و ثقي بأن المجرم الذي كان سببا في مقتلي ومقتل أصدقائي سيكون عذابه أليم ... ثقي بأن ابنك شهيد يا أماه ، لا تبكي انا كذلك سأشتاق لك .. أنا أرى الجنة يا أمي ، ابنك شهيد.