تصميم غلاف:
مريم جمعة - للذهاب إلى صفحة المصممة والتواصل معها اضغط على اسمها - إشراف: هارون عبد المؤمن.
إهداء الكتاب:
إلى كل الذين يعرفون قيمة الكتب ومكانتها -
--إلى اولئك الذين توالت عثراتهم ولكنهم لم يتوقفون عن السعي
-إلى اولئك الذين آمنوا بأن الابتسامة صدقة فأخذوا يتصدقون منها على اخوانهم في الشوارع دون اقتار
-إلى أولئك الذين لا يدّخرون اي جهد في سبيل رسم السعاد على ثغور غيرهم.
انشر معنا على الموقع وتواصل معنا مباشرة
مقدمة كتاب " رحيق اليراع"
وسط كل هذا الغموض المترامي الذي يحاوط أطراف الحياة من كل جوانبها ويحمل في طياته الكثير من الصدف و الأسرار لبني البشر...الذين يخفى على كثيرهم كمية الشبه الموجودة بين الحياة و فصولها، لذلك فالإنسان يعيش في دوامة تحاوطها فصول السنة المعروفة وفصول الحياة المجهولة التي عادة ما تكون اشد قسوة واكثر تأثيرا ،لذلك فأغلبية البشر لا يدركون قيمة القناعة و الطمأنينة الا بعد فقدانها كما لا يدركون قيمة العواصف و الأمطار التي تصب عليهم من خيراتها المغلفة بإحكام في تلك السحب السوداء الممزوجة ببعض البياض ... ولكن لسوء فهمهم احيانا وغياب الحكمة في احيان اخرى يتوقون شوقا لحياة الرغد والرفاهية كما يتوقون لشمس الربيع و بساطه الاخضر ،لتتساقط احلام بعضهم واحزان بعضهم الآخر كما تتساقط اوراق الشجر بقدوم الخريف ،ويتبعها جفاف عابر يدمر كل الاشياء التي لم تبنى على اساس متين .....فلا قيمة للفصول الزاهية المفعمة بالأمل والحياة دون امطار الشتاء وعواصفها الرعدية او دون صيفها الجاف الذي تذبل فيه الازهار ويزول عبقها او بدون خريفها الذي تكثر فيه التعثرات والانقلابات ... لذلك فطعم الأشياء التي تأتي بعد مجابهة العواصف وتخطي الحواجز تكون اكثر لذة واكبر قيمة من تلك التي تأتي بدون عناء ،كطعم الراحة بعد المعاناة ،وطعم العافية بعد المرض ،وطعم السعادة بعد الحزن ...ولهذا يبغي على البشر ان يدركوا كمية التشابه المخفي الذي لا قيمة فيه للسعادة التي لم يسبقها حزن كما لا قيمة للمعرفة التي لم يسبقها جهل.
اقتباسات من كتاب " رحيق اليراع "
{نصف صديق ونصف عدو}
..واعلم أنه عندما تدرك حقيقة أنّك لم تتعلم شيئا من هذه الحياة، تأكد أنّك فهمت أكثر
ممّا ينبغي فهمه، وأن تغرق في مصاعب الحياة خير لك أن تقابل وجها يحمل ألف قناع
يبتسم لك، فالحياة منعرجات اختر منها ما شئت.
وما أجمل الحياة عندما تمنحك قلبا شغوفا لا يزول منه الأمل، يختصر لك طريقا طويلا
على كرسي لا يفصلكما سوى متر وسبعون عاما، حينها ستشرق شمس حياتك وتطلق
العنان لنفسك، تستفيق من غفلة الزمن وتفهم حقيقة البشر، هكذا علمني جدّي.. أنّ الذئب لو
أحَبَّ النعجة لما اختبأ تحت صوفها.. هذا أشبه ببعض النفوس المريضة التي تعطي لنفسها
حقّ الوفاء، فيوما ما إذا وقعت في حيرة التفريق بين العدو والحبيب اعلم أنك في شباك
شخص نصفه عدو ونصفه صديق، عندها فقط ستدرك الفرق بين طعنات العدو على
الصدر، وطعنات الصديق على الظهر..
إنّ الصداقة أعمق بكثير من أن يحول بينك وبينها زيف، فمدينة الصداقة لا يتجولها إلا
من يحمل تأشيرة الوفاء، لذا مهما اعترتك مصاعب الحياة لا تيأس، فلا يمكن أن يجتمع
ضدين، وعلى أرواحنا أن تبقى قوية، ثابتة، راسخة كالجبال، مهما تعثرنا على أشواك
الوجع حفاة، خوفا أن يشمت بنا من ينتظرون سقوطنا.. وعلّمني جدّي أيضا كيف على
المرء أن يخفض سقف توقعاته مع الآخرين، فلا نمنح للبشر كل مساحات قلوبنا، فالرياح
تجري بما لا تشتهيه السفن، لذا كن أنت المسار وأنت الرياح والسفن، حتى لا تصاب
بالجنون من أول بداية ويكون الندم أكبر في النهاية، فمن أراد الوفاء، فإن طقوسه لاتعد ولا
تحصى، إلا من زاف وعده وخان قلبه، فجعل منها تقاليد ورسم عليها شيخوخة بدت عليها
التجاعيد، فلا تكن متصنع الودِّ مُتكلفا، كن الصوت المفقود، الأمنيات الضائعة، كن الكبرياء
في الأجساد الميتة، كن أنت في لحظة حاجتهم بك، فالمشاعر لا تقبل التأجيل.
انشر معنا على الموقع وتواصل معنا مباشرة
{ الموت الأبيض }
منذ أسبوع بينما كنتُ متسمرةَ الفراش ،سارحةَ الخيال نغمة رنين هاتفي توقظني من أحلامي إلى خبر وفاة صديقتي ياسمين !صعقتُ جداً وكان وقع الخبر أشبهَ بكابوس طويل الأمد !! في عجلة من أمري ارتديت ثيابَ الذهاب ، دون مراعاة مراسيم ارتداء ملابس العزاء ، قد تشتتَ التفكير وضاع التركيز
استقبلتني أمَّ هاني بالدموع والعناق الطويل ، تأججت عواطفي وفقدتُ تماسكي فهي صديقة الطفولة سرقها القدرْ في ريعان شبابها وعودها الجميل ،جلست متكئةٌ على أريكةٍ غُطتْ بقماشٍ أبيض ، وبين برهةٍ وأخرى يتعالى همسُ المعزيات( موتٌ يفجع وموتٌ يفرج ) و يالها من فاجعة فقدانك ياسمين لم تعدّ الدموع تحت سيطرةِ العقل ، إنما بات أنينُ الروح يلفظها
ساعاتٌ وساعات وأفكار وذكرى أيام ، ومراسم ذهاب وإياب ، وطعام مشترك وتلاسنن بضعَ أحيان ، وضحكاتٌ مبعثرة ، وأصواتٌ مأججة وأحاديث وزغاريد واتفاق واختلاف ، طويت في لمحِ البصر ، اندثرت كما يندثر طفلٌ يعاني الرهاب من الأماكن المغلقة
أمَّ هاني أمسكت يدي بقوة وأخذت بي إلى مرقدِ ياسمين الأخير، لألقي نظرةَ الوداعِ الأخيرة ؛ ما أصعبها من نظرة ؛ ليتني ما ولدت وما شاهدتُ هذا ؛ ولله إنه لأمرٌ جَلَّل
دعيتُ لها كثيراً وصليتُ لأجلها ؛ ما فتر لساني عن الدعاءِ لوالدتها (صبر الله قلبك يا خالة) وهمّوا بها ؛ وأخذوها إلى مقبرةٍ موحشةٍ مرعبة ؛أحرفها غليظة (مقبرة) لا تخافي حبيبتي وكيف لا تخافُ صديقتي وهي تعاني فوبيا الأماكن المغلقة ، ويحَ قلبي ويحَ عمري ماذا صنعت لأجني هذه الفاجعة
عدتُ أدراجي ودخلت منزلي ؛أحدثُ نفسي ، تسونامي أفكار تجولُ بروحي وعقلي يا إلّهي ما بال طيفَ الموتِ ؛ يزورنا في بلادنا لم يتركَ أروقتنا ولا شوارعنا ما غادر صغيرنا ؛ ولم يعطف على كبيرنا ؛ سنيناً نعاني من معضلةِ ازدياد أرقام الموتى لم يعد يجدي الإحصاء نفعاً فميتٌ هنا وجثةٌ هناك ومقبرة وأعوادٌ من الآس المتناثرة.
وسأخبركم ماذا دارَ برأسي من حوارات و أخبار ومقالات ومعلومات عن هذهِ الظاهرة المرعبة ، و ها أنا ذا أترجمها إلى أفكار ، ألم تلاحظوا انه كثرَ كثيراً (موت الفجأة) يجب أن يسمى الموت الفاجع ؛ وكيفَ لا يكثر ونحن في أواخرِ الزمان ، وقد استعاذ منه النبي صلى الله عليه وسلم وحين سُأل الرسول الكريم من عائشة عن موتِ الفجأة؟! لم يطل الجواب واختصره في كلمات (راحة للمؤمن وأخذة أسفٍ للفاجر)
وأعلمُ أن الموت كتبهُ الله على جميعِ خلقه (كل نفسٍ ذائقةُ الموت)ولم ينجُ منه حتى الأنبياء (إنك لميت وإنهم ميتون) فمن انشغل بدينه عن دنياه وعمل صالحاً ؛ وتجنبَ المنكرات ؛ جاءهُ الموت وهو في أتمّ الاستعداد إليه للقاء الله مُرحباً به في جنةِ الخلد ،وعندما سُأل النبي عن موتِ الفجأة؟! أجابَ أنه من علاماتِ اقتراب الساعة (إن من إمارات الساعة أن يظهر موت الفجأة)وكان الرسول الكريم يستعيذُ من سبعِ موتات منها موتِ الفجأة (اللهم إني أعوذُ بك من زوالِ نعمتك وتحول عافيتك وفجأةِ نقمتك وجميعَ سخطك) ويذكر أن شرح( فجأة نقمتك) أنها موت الفجأة حيث أنه نقمة مباغتة للعاصي ؛ حيث لا فرصة له للتوبة والإقلاع عن الذنب.
ومن الإعجازِ الإلهي اعتراف الأطباء بعجزهم عن الوقايةِ من موتِ الفجأة والفشل في علاجه ، حتى لو كان المريض نائماً في المشفى وخاضع لرعاية الأطباء يداهمهُ الموت ويخطف منه الروح
ولم يكن (الموت الأبيض) ملحوظاً في الماضي وأصبح الآن ظاهرة، ففي أمريكا وحدها يموت 700 ألف شخص فجأة
تسألن أنفسكنَّ ما هو الموت الأبيض؟
هو الموت الذي يداهم الإنسان ويؤدي بحياته ؛ في مدةٍ لا تزيد على ساعة وقد أطلقَ أهل اللغة على "موت الفجأة"( الموت الأبيض) لخلو صاحبهِ من الاستعداد له
ألم تلاحظوا كيفَ أصبحنا في زمننا هذا نسمعُ كثيراً عن الموتِ بالسكتةِ القلبية ؟! أو السكتة الدماغية ؟!أو بجلطات مفاجئة للقلب!؟ أو للمخ!؟ وقد ازداد الموت بهذه الأعراض
أتعملون أنّهُ ثبت علمياً أن أغلب هذه الأمراض المميتة تنشأ عند توتر القلب ، وعدم استقراره ، وإرهاقهِ بالعمل والتفكير والزعل ، والتوتر الدائم بسببِ صخبِ الحياة ، وإزعاجها وأكثر ضحايا( الموت الأبيض )في مرحلة العمر التي تبدأ من سن الأربعين وحتي الخامسة والسبعين ، الرجال والنساء والأطفال في سن يقع بين شهرين وأربع شهور ، والرجال يموتون أكثر من النساء بثلاثةِ أضعاف ؛ وأنّ ذلك المرض ينتشر في كل أنحاء العالم ، ولم ينجح أحد في إنقاذِ ضحايا الموت المفاجئ وبقيت النسب ثابتة دون تراجع بل قفزت 2001 إلي 700 ألف ، إنما هو أمرٌ إلهي بحت الله هو المتحكم الوحيد في منحِ الروح وقبضها .
اللهم إني آمنتُ بقدرك ؛ وآمنت بلقائك ؛ وأعلمُ أنَّ الموت حق اللهم صبر قلبي وقلبَ من أُحب عند فرقةِ الأحباب وثبتنا على طاعتك ، وألهمنا الصبر والسلوان
اللهم إني أعوذ بك من( موت الفجأة) وسيئ الأسقام والكورنا والزهايمر والسرطان ، ورحمَ اللهم موتانا وجميع موتى المسلمين ، ورحم صديقتي ياسمين....
((واجعلني اللهم خفيفة على قلوب الناس أموت فيقولن كنّا نحب وجودها.
انشر معنا على الموقع وتواصل معنا مباشرة
{استجابة دعاء}
كلماتِي هاتِه ستكونُ استقراءًا لموقفٍ حدثَ معِي شخصيًا ولأنَّني اِتعظتُ بهِ أيَّما المَوعِظة فاهتديتُ إلى أنْ أخُطَّ عليهِ من حبرِ قلمِي نقلاً و مشاركةً للموعظةِ الطيِّبةِ ابتغاءَ الأجرِ و الثوابِ و اللهُ من وراءِ القصدِ
أمسيةُ آخرِ الأسبوعِ طيبة الأجواءِ حسنة الأحوالِ و المزاجِ أعيشُها داخلَ أسوارِ المحلِّ التجاريِّ أينَ أقضِي 10 ساعاتٍ يوميًّا بينَ الصباحِ و المساءِ في عملِ التجارةِ , أروَقُ ما يَروقُ لِي يوم الخميسِ ففِيه أعُدُّ ساعاتيَ الأخيرةَ قبلَ إطلالةِ يوم الراحةِ و الاسترخاءِ ( الجمعة ) و فيهِ أيضًا أتقاضَى أجريَ الأسبوعِي الذي يتمثلُ في 5000 دينار فتغمُرني الغبطةُ و السعادةُ حينما أطفئُ الأنوارَ ليلاً و أبرم إحكامَ الأقفالِ فأهمُّ عائدًا إلى البيتِ و براحتي يدَيَّ جائزتي و نظيرَ تعبي و جهدي ال5000 دينار . ها قد حلَّت أمسيةُ الخميس أخيرًا و التَّوقُ للأجرةِ و الراحةِ يزدادُ و يكبرُ مع مُضيِّ الساعاتِ , زبائنٌ تَغدو وتَروحُ و سلعٌ تُباعُ و تُشتَرى و دنانيرُ تضافُ إلى العائداتِ الماليةِ للمحلِّ و الأمورُ إلى حدِّ الآن تجرِي على أحسنِ ما يرام إلى أنْ وقعتِ الواقعة . بسببِ خطأٍ تجاريٍّ محضٍ في ثمنِ سلعةٍ معينةٍ تسببتُ في خسارةِ المحلِّ 1500 دينار , خطأٌ و سقطةٌ شخصيةٌ في الغالبِ لنْ يقع فيهِما شخص بالغٌ عاقل مثلِي خاصةً و أنَّني كنتُ مسيِّر المحل الوحيد , أصابعُ الاتهامِ و اللَّومِ ستعودُ لِي أولاً و أخيرًا و قد تَعزَّز في نفسِي الاعترافُ بالخطأِ و حَمَّلتُ نفسِي المسؤوليةَ الكاملةَ و بعمليةٍ حسابيةٍ بسيطةٍ خَلُصتُ إلى أنَّني سأتقَاضى هذا الأسبوع 3500 دينار بدل 5000 , صدقًا قدْ حزَّ في نفسِي الأمرُ كثيرًا , حَزِنتُ للمُصابِ الذي اِعترانِي و ليسَ ببعيدٍ قطعَ صمتِي صوتُ أذانِ المغربِ حينَ اِرتفعَ عاليًا " حي على الصلاة , حي على الفلاح " و ها قَد فُتحَت بوابةُ الشكوَى و المسألةِ في وقتِها , إلى الصلاةِ يا نفسِي فمنْ يدرِي لعلَّ اللهَ يُحدثُ بعدَ ذلكَ أمرًا
دعوتُ الله دبرَ صلاتِي بقلبٍ خاشعٍ متألمٍ أنْ يَرُدَّ إليَّ زبونِي علِّنِي أتداركُ خطئِي و أصلح ما يمكنُ إصلاحهُ , دعوتُه و هو العالمُ بحالِي خاصةً و أنَّني أمرُّ بظروفٍ خاصةٍ جعلتْ منِّي أنزلُ إلى سوقِ العملِ بُغيةَ تحصيلِ بعضِ المالِ على حسابِ دراستِي الجامعيَّة و اِرتباطاتِ حياتِي جمعاءَ , رفعتُ إليهِ أذرُعَ الضَّراعةِ بدعاءٍ يتضمَّن المصطلحاتِ التاليةِ أو مَا في مفهُومِها : " يا ربِّ اجعلهُ أوَّل من يدخلُ عليَّ بوابةَ المحلِّ " . أمَّمتُ على دعائِي و قمتُ إلى العملِ مرةً أخرَى , تَمسَّكتُ ببصيصِ الأملِ في عودةِ الزبونِ لأمرَينِ اِثنينِ أوَّلهمَا قدْ يعودُ مرةً أخرى للاستزادة من نفسِ السِّلعةِ نظرًا لثمنِها الزَّهيدِ الذي لاَ و لنْ يتوفَّر في غيرِ محلِّي و ثانيًا لأنهُ مُتعاملٌ وَفيٌ لنِا و للمحلِّ فعودتُه ستَتكرَّرُ بالتأكيدِ معَ مرورِ الأيامِ إلاَّ أنَّني تمنَّيتُ أن يُعاوِدَ زيارتِي اليومَ فهيَ أهونُ و أخفُّ لِي و لحلِّ مشكلَتِي القائمةِ خاصةً و أنَّ موعدَ الجِردِ الأسبوعيِّ سيكونُ بعدَ ساعةٍ أو ساعتينِ على الأكثرِ , حتَّى لحظتِي هذهِ و أنَا بينَ التَّمنِّي و المُناجاةِ و محاولةَ الصبرِ و الرِّضى بقضاءِ اللهِ و قدرهِ لم يتوافَدْ إلى المحلِّ أيُّ زبونٍ ما جعلَ منِّي أنتظرُ و بفارغِ الصبرِ استجابةً لدعائِي الاضطراري الخاصِّ ثمَّ فجأةً يَهمُّ أحدهُم داخلاً منَ البوابةِ الكبيرةِ .
للوهلةِ الأولى لم يكنْ الشَّخصُ المُرجَى و المُبتغَى قدومَه إلاَّ و أنَّ الإجابةَ لدُعائِي كانت حَليفتِي و مِنْ نصيبِي إنَّما بشكلٍ مُغايِر لمْ أكنْ لأَتوقَّعه , ولجَ إلى المحلِّ رجلٌ في الثلاثِيناتِ منْ عُمرِه تقريبًا , مِشيتُه كانت مُبعثَرةَ الخُطى , قاطبَ الحاجبينِ عبوسَ الوجهِ مشوَّشَ الهندامِ و المزاجِ و بدونِ أيِّ مقدماتٍ و لا تَحيَّاتٍ شرعَ مُستَرسِلاً في كلامِهِ القاسِي ,التفت قبلَ ذلك يُمنةً و يُسرةً ليَطمئِنَّ لعدمِ وجودِ أحدٍ فعلِمتُ أنَّ بهِ أمرٌ جللٌ سيُفضِي بهِ إليَّ فأنصَتُّ إليهِ باهتمامٍ , قالَ لِي و في معنَى قَولِه : " تلقَّيتُ اِتصالاً من منزِلِي و أهلِي فِي حالةِ غضبٍ و حنقٍ شدِيدَينِ لأنَّه لاَ يَتوفَّر لدَيهِم طعامٌ للعَشاءِ , هلْ بإمكانِك إمدَادِي بعضَ النقودِ علَّنِي أحظَى لهُم ببعضِ الخُضرِ ليَضعُوهَا على العَشاءِ " , حركاتُه و نَظَراتُه و توسُّله الشديدُ حرَّك فِيَّ مزيجًا منْ مشاعرِ الحزنِ و الألمِ و يَا أسفاهُ أنَّني كنتُ خاويًا منْ أيِّ دينارٍ , أقسَمتُ لهُ بلفظِ الجلالةِ أنْ لَو توفَّرت لدَيَّ بعضُ النقودِ لأعطَيتُكَ إيَّاهَا فزِدتُ إلى يَأسهِ يأسًا و إحباطًا و منْ ثَمَّ غادَرنِي مطأطأ الرأسِ مكسورَ الخاطرِ
يَا الله أيُّ اِستجابةٍ هاتِه , قبلَ لحظاتٍ فقط ظَننتُ أنَّني أتعسَ منْ فِي الكوكبِ لخسَارتِي بعضًا منْ أموَالِي و قدْ تَناسَيتُ أنَّ لِي بيتٌ ينعمُ بالدِّفءِ و العَشاءِ الجَاهزِ الذي في الأساسِ لمْ أدفَع منْ تكلُفتهِ قرشًا واحدًا إضافةً إلى السَّكينةِ و الهدوءِ يَعُمَّان أرجاءَ العائلة و مقابل هذِه الظروفِ ليومٍ واحدٍ أو أقلَّ ربَّمَا ستَتجاوزُ بالتأكيدِ 1500 دينار , و منْ ثَمَّ أرَيتَنِي يَا اللهُ صورةً تحملُ الخَطبَ العظيمَ , ربُّ عائلةٍ يتذَلَّلُ لِبعضِ النقودِ قصدَ إشباعِ الأفئِدةِ المُتناطِحةِ و البُطونِ الجَائعةِ و لَو لوجبةٍ واحدةٍ , لعَشاءِ هذه اللَّيلةِ بالذَّاتِ و لقد كانَ أوَّل منْ دخلَ عليَّ المحلَّ و أنَا طلبتُكَ يا اللهُ أنْ تأتِينِي بنُقودِي لانَّني حسِبتُ أنَّ قَدَرَكَ أخْطأَنِي اليومَ و كانَ ضِدِّي أنَا فقط منْ بَينِ كُلِّ أقطارِ الإنسانيَّة , إجابتُكَ يَا اللهُ و صِدقًا كانتْ مُعبِّرةً و قدْ اِتعظْتُ بِها كثيرًا حالمَا مسَّنِي بعض السَّخطِ و عدمِ الرِّضَى فارتأَيتَ أنْ تُعلِّمنِي بِدعائِي نوعًا آخرَ منَ الإجابةِ , علَّمتنِي أنَّ نِعمكَ العظيمةَ و آلائِك الجليلةَ لاَ حَدَّ لهَا و لاَ سقفَ فِي خِضمِّ دورةِ تربيةٍ و فقهٍ ثمنُ مُستَحقَّاتِها 1500 دينار و هذَا قليلٌ جدًا بِحقِّهَا , ربِّ أنَا مُمتنٌّ لكَ على لُطفِكَ و حُسنِ عِنايَتكَ , جازَيتَنِي بقَبُولِ دُعائِي على شاكلةٍ ساميةٍ مُثلَى و قدْ تَقبَّلتُها بصَدرٍ رَحبٍ طالمَا منْ صَنِيعِكَ و قَدرِكَ أنتَ و أحتَسِبُ عندكَ العِوضَ الجَميل.
تحميل كتاب " رحيق اليراع " كامل.
تذكر أنك قرأت هذا على موقع