" بنظرة أخرى "
تأليف: أميرة خلفون
تصميم غلاف: سارة عثمان
نبذة عن رواية " بنظرة أخرى "
الإنسان هو ثلاثة أشخاص في جسد واحد، الشخص الأول هو شخصيته الحقيقيَّة، والشخص الثَّاني هو تصرّفه مع الجميع والشخص الثالث هو كيف يراه الجميع، و ظنُّك بأنَّك تعرِف ذلك الإنسان جيدًا هو ظنًّا خاطئًا لأنَّ معرفتك تلك ستبقى فرضيات إلى أن تستنتجها لاحقًا بالمواقف، و أهم شيء أن لا تحمل أي صورة سواء كانت حسنة أو سيئة لأي شخصٍ وأنت لا تعرف شخصيته جيدًا
انشر معنا على الموقع وتواصل معنا مباشرة
إهداء رواية " بنظرة أخرى "
الإهداء:
إلى أمي مرة أخرى
و في كل مرة
اقتباس من رواية " بنظرة أخرى "
تمشي في الطريق و دموعها تسبقها، تبكي قهر الحياة و ظلمها، لماذا الحياة ليست عادلة معها؟ لماذا دوما تجلدها ببطشها؟ لقد توفي والدها وهي بسن الخامسة عشر لتتزوج والدتها برجل عابث ينظر لها دوما بشهوة و يكاد يجن من جمالها لدرجة أنه أصبح يبحث عن الفرصة ليتقرّب منها، كانت فتاة حنطية البشرة ذات عينان عسليتان تحوطهما أهداب طويلة، جميلة الملامح وجنتيها مشبعة بحمرة و تزينهما غمازة تظهر كلما إبتسمت، ذات شعر كستنائي طويل مما جعل زوج والدتها يُغرم بجمالها الآسر و يتسائل دوما لماذا زوجته لم تكن جميلة مثلها؟ يبدو انها ورثت الجمال من والدها.. وقفت في مكان عام و جلست على احد المقاعد، مسحت عبراتها و فتحت هاتفها و اتصلت بأحدهم ليرد عليها بعد لحظات
الرجل: ازيك يا حبيبتي عاملة ايه؟
ملاك بحزن: انا تعبانة جدا و عايزة اشوفك ممكن تيجي عندي؟ وكمان في موضوع مهم هقولك عليه
الرجل: اسف يا قلبي بس مشغول و مش هقدر اوصلك اعذريني
تملك منها الغضب فصاحت به: قولتلك موضوع مهم و الشغل الزفت مش هيهرب.. هبعتلك العنوان و تعال هنا بسرعة و متعصبنيش
قالت ذلك وغلقت الخط و من شدة غضبها ضربت المقعد بقوة فتألمت يدها التي وقعت عليها سابقا في الملهى الليلي، مررت أناملها على ذلك الجرح و لولهة تذكرت تلك اللحظة، تذكرت عيناه وملامحه الوقورة التي تعكس جاذبية معينة وشفاهه المزمومة وشعره الحريري المصفوف الى الوراء بعناية وذقنه الخفيف الذي يكاد يختفي، رأت كل ذلك تحت الأضواء الملونة الخافتة وترسخت في ذاكرتها، حاولت ان تنبذه من تفكيرها فهاجمتها ذكراه مرة أخرى، عندما وقعت بين يديه فأمسك بها وحوّطها بذراعيه بلمح البصر، اصبحت كالطفلة الصغيرة أمام جسده الرياضي، و بصوت مسموع قالت باستغراب: منظرك مش منظر واحد بتاع الاماكن دي!
أجابها احدهم وهو يجلس أمامها: و انا كمان بقول كده بس انتي اللي اصريت اني اجي
انتبهت له ونهضت بإرتباك وهتفت: فتحي! انت جيت
فتحي باستغراب: زي ما انتي شايفة.. هو مين دا اللي منظره مش عاجبك؟
ملاك بلا إهتمام: مش مهم
فتحي بنفاذ صبر: انا كمان ميهمنيش.. طيب قوليلي جبتيني هنا ليه؟
ترددت قليلا ثم حسمت أمرها وقالت كلامها دفعة واحدة: خلينا نتجوز بسرعة
فتحي بصدمة: نعم!!
ملاك بحزم: قولتلك خلينا نتجوز، انا مش هفضل ماشية معاك في الحرام اكثر من كدا
فتحي بسخرية: حرام ايه و زفت ايه هو انا بوديكي شقتي كل يوم؟ هما بس خمس كلمات بنتكلمهم على الفون رجعتيهم حرام؟ حتى ايدك ملمستهاش ابدا
ملاك : طيب ما انت بتحبني؟ واهو ليك شقة و بتشتغل و كل امورك تمام.. هنستنى كمان ليه
بدأ فتحي ينزعج من أمر الزواج المفاجئ والتمس في طريقة كلامها شيئا من التوسل فسألها: لحظة بس.. هو انتي طلعتي حكاية الجواز دي منين؟
ارتبكت ملاك و ترددت في إخباره ثم استجمعت قوتها وقالت: جوز ماما بيتحرش بيا و حركاته مبقتش طايقاها و مش عاوزة افضل في البيت تاني
انفجر فتحي بالضحك ثم عاد الى ملامحه المتجهمة و قال: ولله! و طبعا انا الحل مش كده؟ انا ورقتك الرابحة اللي هتستغليها حتى تخلصي من مشاكلك؟ و انا ايه اللي يعرفني باللي حصل بالضبط مع جوز امك؟ اصلا من طريقة كلامك دي واضح انه عملك حاجة و عاوزاني استر عليكي، فاكراني غبي و عاوزة تدبسيني؟ يالا يا شاطرة روحي لواحد تاني العبي عليه
كان كلامه كالخناجر التي تخترق قلبها و تمزّق نياطه بلا رحمة ولا شفقة، حيث كانت تستمع اليه و الصدمة تعتلي وجهها البريء، ها هي تتعرض الى الخيبة مرة أخرى من أقرب الناس اليها، صباحا من والدتها و الآن من صديقها الذي لطالما وقفت معه و ساندته بظروفه الجاحدة، وهي في أول شدة يتخلى عنها ببساطة.
نظرت إليه بصدمة ولم تستوعب كيف رفعت يدها و صفعته حتى مال رأسه للجهة الأخرى، بعد ذلك رفعت رأسها بشموخ و قالت بشجاعة: عارف؟ انت ندل و متفرقش عن جوز امي ابدا و الحمدلله ان ربنا حطني في المحنة دي عشان وراني معادن كل اللي حواليا، و على فكرة انا أشرف منك و بحياتي ما اخدع حد علشان يتجوزني و دلوقتي غور من وشي ولو حاولت تتصل فيني او توصلي مش هيحصل خير.
نظر لها بغل ثم ذهب، اما هي فأجهشت بالبكاء حتى خارت قواها و سقطت على الأرض، حاولت ان تنهض فلم تسمح لها قدميها بذلك، اخذت شهقاتها تعلو شيئا فشيئا.. خالجتها الكثير من الأفكار، الهروب! ولكن إلى أين وكل الأبواب موصدة؟ المكوث! ولكن والدتها لن تدعها بعد الذي حصل، إنها هائمة وقد نفذ الصبر منها، منهكة وخائرة القوى لم تعد تسيطر على نفسها ولا على حياتها البائسة، لا تشعر بالرضا ولكنها تتقبل وتتأقلم.. والشيء الذي يؤلمها حقا أنها أصغر من أن تتحمل كل هذا العذاب، تذوب على مهل دون أن تبحث عن محاولة واحدة للنجاة، باهتة في عمق مأساتها ومما يدور حولها، يحيطها فراغ عظيم لا حدود له كما لو أن أحدهم ألقى بها في قاع البحر ولا تقوى على مواجهة أمواجه المتوحشة، لكنها بالرغم من كل هذا القهر عليها أن تساعد نفسها بنفسها، أن تواجه نكباتها وانتكاساتها بصمت، ولا تسمح لنفسها أن تكون فريسة للقهر.
اتصلت بصديقتها أروى و طلبت منها القدوم اليها فلبّت نداءها و كانت أمامها بعد دقائق معدودة، ساعدتها على الجلوس و ضمتها بحنان: اهدي يا ملاك اهدي ربنا هيحلها من عنده
ملاك ببكاء: مش قادرة يا أروى مش قادرة
اروى: قوليلي ايه اللي حصل و وصلك للدرجة دي؟
حكت لها كل ما حدث معها بالتفصيل فحزنت عليها و ربتت على كتفها وقالت: يبقى لازم تقابلي جمال وتطلبي منه الفلوس
ملاك بيأس: مش فاضل غير الحل دا طبعا
أروى بحنان: ما تيجي تقعدي عندي يا ملاك؟ ماما بتحبك اوي و دايما تمدح فيكي
ملاك بحزن: هاقعد معاكي فين يا أروى انتي كمان ظروفك متسمحش و البيت شايلكم بالعافية اقوم اجي انا و اضيق عليكم كمان
اروى بيأس: طيب زي ما انتي عايزة مش هضغط عليكي
***
قضت بقية يومها مع صديقتها و عندما شعرت بتحسن قررت العودة إلى منزلها، كان الوقت متأخرا فقامت أروى بمرافقتها ثم ودعتها وذهبت.
دلفت إلى الداخل بهدوء حرصا على ألّا توقظ أحد، فهي لن تتحمل رؤية أي واحد منهم وليست مستعدة لكي تستمع الاتهامات والمحاضرات الموجهة لها.. وهي متجهة الى غرفتها وجدت زوج أمها ينتظرها أمام الباب، دبّ الرعب في قلبها واجتاحها الذعر فحاولت أن تتماسك وأن لا تبين له ذلك فيتخذها فريسة، تجاهلته ومرّت من أمامه فكَسَت ملامح الغضب وجهه وزمجر
شريف: يا أهلا يا هانم، شرفتي
حركت عيناها بشكل دائري وتنهدت: بعد إذنك انا داخلة أنام
قالت ذلك وفتحت الباب واتجهت إلى الداخل، استفزّه أسلوبها فأمسك بها من ذراعها وقال بخبث: ما تيجي نكمل السهرة انا و انتي.
قال ذلك و رفع يده كي يُداعب وجنتها فضربت يده بقوة وصدته وصاحت به: دا بعدك نجوم السما اقربلك
أزعجته ردة فعلها فشدّها إليه فصاحت: سيبني والا هصحي ماما
شريف بتهديد: مش هتصدقك و كمان هتخلي ليلتك سودا، هو انتي نسيتي القلم اللي ادتهولك الصبح؟
اغمضت عيناها بألم وهمست: فوق بقى إنت من محارمي وانا زي بنتك وبعدين انا عملتلك ايه حتى تـ...
قاطعها بنبرة شغوفة: انا بحبك و تجوزت امك بس علشان اقربلك وتكوني جنبي
قال ذلك وحاول أن يقبلها فاستجمعت قوتها وصدته بعيدا ثم دخلت إلى غرفتها بسرعة و غلقت الباب بالمفتاح، وضعت يدها على صدرها الذي يعلو ويهبط و تحسست نبضات قلبها المتسارعة ثم تنفست الصعداء و أجهشت بالبكاء، لم يبقى لها مكان في ذلك البيت و عليها ان ترحل قبل أن يزداد الوضع سوءً.
***
تجلس هايدي وسامية في حديقة منزل عمر، وكانت هايدي طوال الوقت شاردة و الضيق ظاهرا على ملامحها وانتبهت سامية لذلك وقبل ان تسألها ارتشفت هايدي قليلا من قهوتها وقالت هايدي بتردد...