تأليف: د/ حسني البشبيشي
تصميم غلاف: آية رضا
انشر معنا على الموقع وتواصل معنا مباشرةنبذة عن كتاب " معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة "
انشر معنا على الموقع وتواصل معنا مباشرة
الحب والخوف والرجاء والخضوع والرضا والتوكل هي أساس العبادة، ولا تتحقق هذه الأمور إلا من معرفة الله تعالى
اقتباسات من كتاب " معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة "
ـ ثانيًا: التوكل (الاستعانة):
ـ العجز معناه عدم قدرة الإنسان على القيام بما يحتاج إليه واحتياجه لغيره ليساعده ويقضي له حاجته، وبالتالي يستعين العاجز بالقادر ليمده بما يحتاجه، وهذا هو التوكل.
ـ القادر إذا أمر العاجز بأمر ما فإن العاجز يستعين بالقادر على أداء هذا الأمر لأنه بغير ذلك لا يستطيع القيام بالأمر، فكذلك إذا أمر الله الإنسان بالعبادة فإنه يستعين بالله على القيام بهذه العبادة كما أراد الله تعالى، فيقول تعالى: ((إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ))(16)، كأنه يقول لله أعني على نفسي وساعدني وكن معي، فالعاجز إذا لم يستعن بالقادر دل ذلك على أنه لا يشعر بأنه عاجز أو يقينه بذلك ضعيف.
ـ لا يتوكل الانسان على غيره من البشر لأنهم عاجزون مثله ضعفاء لا حول لهم ولا قوة والله وحده القادر المعين، وهذا معناه أن يفوض الانسان أمره إلى الله ويتوكل عليه.
ـ الإنسان يستعين بغيره عندما يشعر بثلاثة أمور هي: الشعور بالاحتياج والنقص (الشعور بضعف الإنسان)، والشعور بقدرة من يعينه على إعانته (الشعور بقدرة الله)، والاطمئنان والثقة في أن مَن يستعين به سيعينه (الشعور بأن الله هو الوكيل والكفيل والكافي والرزاق والولي)، والإنسان يتوكل على الله وحده إذا شعر بأن غير الله ضعيف ولا ينفع ولا يضر.
ـ الله وحده القوي والقادر والنافع والضار وغيره لا يقدر ولا ينفع ولا يضر، فمن عرف ذلك أسلم نفسه لله وفوض أمره إليه فهذا هو معنى التوكل.
ـ الضعيف يعتز ويفرح بانتمائه إلى القوي لأنه يرى قوة القوى قوة له ولأنه يستمد منه العزة والقوة ويحتمي به ويعتبر ذلك قوة له ضد غيره، فإذا أراد أن يعتدي عليه أحد لجأ إلى القوى الذي يحتمي به لينصره عليه.
ـ فأنت لا تستطيع أن تضرب طفلا لأن أبوه قوي ينتقم منك، فالطفل ليست له قوة ولكنه يستمدها من أبوه، فالطفل يشعر بالعزة ويكون شجاعا أمام الأقوياء لأن أبوه أقوى منهم رغم أنه ضعيف، فكذلك العزة عند المؤمنين يستمدونها من انتماءهم لله.
ـ الحالة النفسية المميزة للتوكل:
ـ التوكل على الله يؤدي إلى عدم انشغال الهموم بجلب الرزق وتحصيل الدنيا، فالحالة النفسية المميزة للتوكل هي الشعور بالاطمئنان والراحة النفسية من هموم الدنيا ومن الهم بجلب الرزق وتحصيل الدنيا فلا تكون هدف الإنسان وقضيته، كما أن الشعور بأن غير الله لا ينفع ولا يضر يؤدي إلى الارتياح النفسي؛ لأنه لا يحمل همًا لما سوى الله، وكلما نقص إيمان العبد كلما نقص توكله وانشغل همه بالدنيا.
ـ فالإنسان قد يشعر بالاطمئنان والثقة والراحة إلى أن له مصدر دخل ثابت شهريًا من عمل حكومي أو معاش مثلًا يوفي له ما يريد (وذلك ينشأ من ضعف معرفته بأن الله هو الرزاق أو من غياب تلك المعرفة)، كذلك المتوكل على الله يشعر بالاطمئنان والثقة والراحة إلى أن هناك من يمده بما يحتاجه
فهو يطمئن إلى الله الوكيل والرزاق، فهو مطمئن إلى رزقه.
ـ فالتوكل هو شعور بضعف الإنسان واستسلامه لله وانهزامه بين يدي الله وتفويض أمره لله ليفعل الله به ما يشاء، مثل شعور اليتيم الذي يحتاج إلى من يكفله وينفق عليه، ومثل شعور الأعمى الذي يحتاج إلى المبصر ليحدد له اتجاه سيره ويسير به حيث يريد، ومثل شعور الذي يجلس على كرسي بعجلات ويحتاج إلى من يقوده، ومثل شعور السائل (الشحاذ) الذي يحتاج إلى الناس فيسألهم أن يعطوه، ومثل شعور الفقير الذي ذاق طعم الفقر فهو يحتاج إلى الغني ليعطيه، ومثل شعور الطفل الذي يحتاج إلى أبويه في طعامه وشرابه ونومه ورعايته، ومثل شعور التائه الذي ضلَّ الطريق فهو يحتاج إلى من يهديه، ومثل شعور الجائع الذي ذاق طعم الجوع فهو يحتاج إلى الغني ليعطيه طعامًا، ولذلك ففي الحديث القدسي عن رب العزة سبحانه: ((يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عارٍ إلا من كسوته فاستكسوني أكسُكم))، وحقيقة الإنسان هو أنه أعمى لا يبصر؛ لأن عينه ليست ملكه وإنما هي ملك لله تعالى أعطاها الله له، وهو أصم وأبكم لأنه لا يملك الأذن ولا اللسان، وهو فقير؛ لأن المال الذي عنده هو ملك لله، وهو مجرد من كل شيء ولا يعلم شيئًا لأن عقله ملك لله، فهو مثلما كان في بطن أمه في المراحل الأولى حيث كان لا يسمع ولا يرى: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شيئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
ـ فالإنسان إذا شعر بأن غير الله لا ينفع ولا يضر فشعر بأنه هو نفسه لا ينفع ولا يضر وبأن الأسباب لا تنفع ولا تضر وبأن كل الناس والأشياء لا تنفع ولا تضر، والشيء الذي لا ينفع ولا يضر هو شيء لا قيمة له فإنه عندئذ يشعر بالاستسلام والانهزام ويشعر بأنه في حاجة إلى من يكفله ويقوم بأمره ويرعاه؛ لأنه عاجز عن أن ينفع نفسه، فيلجأ إلى الله ليستعين به ويحتمي به، فيكون كالطفل كلما احتاج إلى أمر لجأ إلى أبويه وهو يثق بأن أبويه لن يخذلانه؛ لأن القوي لا يخذل الضعيف، ولذلك يقول شيخ الإسلام ابن القيم: ((فإن قلت فما معنى التوكل والاستعانة، قلت هو حال للقلب ينشأ عن معرفته بالله والإيمان بتفرده بالخلق والتدبير والضر والنفع والعطاء والمنع وأنه ما شاء كان -وإن لم يشأ الناس- وما لم يشأ لم يكن -وإن شاءه الناس- فيوجب له هذا اعتمادًا عليه وتفويضًا إليه وطمأنينة به وثقة به ويقينا بكفايته لما توكل عليه فيه وأنه ملي به ولا يكون إلا بمشيئته شاءه الناس أم أبوه، فتشبه حالته حالة الطفل مع أبويه فيما ينويه من رغبة ورهبة هما مليان بهما، فانظر في تجرد قلبه عن الالتفات إلى غير أبويه وحبس همه على إنزال ما ينويه بهما، فهذه حال المتوكل، ومن كان هكذا مع الله فالله كافيه ولابد قال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) ( أي كافيه)
ـ ((قيل لحاتم الأصم: علام بنيت أمرك هذا من التوكل؟ قال: على أربع خلال: علمت أن رزقي لا يأكله غيري فلست أهتم له، وعلمت أن عملي لا يعمله غيري فأنا مشغول به، وعلمت أن الموت يأتيني بغتة فأنا أبادره، وعلمت أني بعين الله في كل حال فأنا أستحيي منه).
ـ قلق الإنسان من عدم وجود عمل يتكسب منه، أو خوفه من أنه قد يترك العمل... إلخ، فكل ذلك يدل على عدم توكله على الله (يستثنى القلق الفطري الخارج عن إرادة الإنسان)، وكذلك من سرق مليمًا فليس بمتوكل؛ لأنه استعجل رزقه الذي كان سوف يأتيه حتمًا، والإنسان إذا أخذ مليمًا ليس من رزقه فلن يستطيع إنفاقه أو أنه يَضيع منه أو يصرفه في شيء لا قيمة له أو يمرض أو يمرض أحد من أبنائه فيصرفه في العلاج، أو يصاب بابتلاء بفقد شيء من ممتلكاته... إلخ.
ـ ثالثًا: الشعور بالحياء:
ـ تخيل أنك تعيش في مسكن أحد الناس وتأكل من طعامه وينفق عليك من ماله فبماذا تشعر وكيف يكون حالك؟ وكذلك الحال مع الله فالمسكن الذي تسكن فيه ليس ملكًا لك، إنما هو ملك لله، وكذلك المال الذي معك إنما أعطاك إياه الله وهو مال الله، ولذلك إذا أردت أن تعصي الله فاخرج من تحت سمائه ومن فوق أرضه واخرج من ملكه إن استطعت!!
ـ فالإنسان يترك الذنب خشية أنه عندما يقف أمام الله فماذا يقول له؟ فهو يستحيي أن يضع نفسه في هذا الموقف المخجل حيث يأكل من رزق الله ويعيش على أرضه وينعم بنعمه ثم يقف أمامه وقد عصاه فماذا يقول له؟
*******************
ـ أثر المعرفة بحقيقة النفس والدنيا على السعادة النفسية:
ـ المعرفة بضآلة الدنيا تؤدي إلى عدم الخوف من آلام الدنيا أو الحزن الشديد عليها، ويؤدي كذلك إلى عدم الرجاء وطول الأمل في نعيمها أو الفرح الشديد بها، وهذا يجعل الإنسان في راحة واطمئنان لا يهمه شيء ولا يخيفه شيء.
ـ كما أن الذي يشعر بضآلة متع الدنيا وضآلة آلامها فإنه لا يبالي هل أقبلت الدنيا أم أدبرت.
ـ كما أن الذي يشعر بأنه مفارق للناس ومفارق لما كان يعمله في الدنيا ومفارق للأموال والدنيا وما فيها ومن فيها فإنه يعيش سعيدا مسرورا لأنه لا يبالي بشيء، فإذا افتقد شيئا من أمور الدنيا فلا يبالي لأنه سوف يترك ذلك الشيء وكل شيء حتما حينما يموت.
ـ عندما يشعر الإنسان بأن كل ما هو غير الله ضعيف ولا ينفع ولا يضر فإنه عندئذ لا يخاف من أي شيء سوى الله ولا يحب أي شيء غير الله ولا يرجو أي شيء غير الله ولا يخضع لأي شيء غير الله ولا يستعين ويتوكل على أي شيء غير الله ولا يحزن أو يفرح بأي شيء لأن كل شيء لا قيمة له والقدر كله والعظمة لله وحده، فهو عندئذ تنقطع مشاعره وهمومه وأهدافه عن الدنيا وعن أي شيء سوى الله، وهذا يؤدي إلى الشعور بالراحة النفسية والسعادة النفسية وراحة البال تجاه أمور الدنيا (حلاوة الإيمان).