تصميم غلاف: أميرة صقر
انشر معنا على الموقع وتواصل معنا مباشرةنبذة عن رواية " لعنة روح "
انشر معنا على الموقع وتواصل معنا مباشرة
إن رواية لعنة روح قد رسمت خطوطها العريضة على أحداث حقيقية، وكان الهدف منها إبراز قضية تحدث كل يوم في مجتمعنا
فماذا لو ولدت في بيت قاسٍ، لا أحد يأبه بك، لا أحد حتى ينظر إليك بعين الرحمة. ماذا لو عشت مظلوما لا قيمة لك، إمعة، ولدت مسلوبًا حق الاختيار أو الرفض، مسلوبًا الإرادة والقرار، يختار لك الآخرون حياتك كما يحلو لهم.. وفجأة، زارك شخصٌ من العالم الآخر، شخصٌ قد فارق الحياة، ليخبرك بسرك الذي لم تعلمه قط، ليأمرك بالتمسك بما هو صعب، ليخبرك بلعنتك التي ستقتص لك من كل من ظلموك، سبعة قد ظلموك، سبعة قد آذوك، سبعة قد اقتصت اللعنة منهم..
اقتباس من رواية " لعنة روحي "
عدتُ للمنزل بعد كلام الطبيبِ، والذي جعلني أوقنُ أن نهايتي باتت قريبةً، فكرتُ في أمور كثيرة ومتضاربة..
منزلي الذي لا أطيق فيه أحدًا، لا أحد يهتم بمشاعري، ويحنو عليّ بعد الذي حدث منذ أربع اعوام، لا أجد منهم سوى الضغط النفسي والعصبي مما سبب زيادة ألمي ومعاناتي.. فوق كل هذا لا أستطيع النجاة من الحبل الذي ألقي حول رقبتي، ولا أستطيع الإفلات منه، حتى والدي لا يهتم بي سوى في الضروريات مثل اليوم فقط. أما غير ذلك فلا أجد منه هذا الودَّ والخوفَ، فقط الإجبار والتعنت الشديد. أفكر في آدم! هل تسرعت؟ هل أحبه فعلا وسيكون لي بمثابة القشة التي تنقذني؟، أم أرفضها وأقبل الغرق والاستسلام!. ولكنَّ الخوف من تلقي الصدمات، والوقوف في منتصف الطريق، والعجز عن الاختيار. أصعب ما قد يواجه المرء في حياته.
أخاف أن أُكمل طريقي وأتْبعَ قلبي فأتعرض للصدمات، أو أعُرِضَ آدم للصدمات وإلى ما لا يطيق ولا يتحمل.. وأخاف أن أتركه وأغُلقَ الأبواب في قلبي، فأغرق في مشاكلي، وهمومي.. أفكر في الأمر ونقيضه، يصيبني هوس التفكير فيقتلني.. ربما أحتاج آدم.. لكن أخافه، وأخافني، وأخاف عليه.. فمصيري مجهول، وطريقي محفوفٌ بالمخاطر.. ربما أظهر كالغابة جميلة المنظر، ومأوي، وظل. لكنها ليلًا تتحول إلى وحش متجسد، وظلمة موحشة....
ظللت أفكر حتى تعبتُ، وضاقتْ أنفاسي من جديد، وألقيت بنفسي على سريري، وبداخل نفسي قرار صعُب عليَّ أنّ أقرره، ورحت في نوم عميق.
**
استمرت الأيام في مجراها الطبيعي إلا شيء واحد.. تعاملات روح مع آدم، لا تنظرُ إليه ِ، لا تكترث لوجوده ولا نظراته.. لا شيء مما كان ينتظره آدم بعدما أخبرته أنها غيرُ قادرة عن منع نفسها من التفكير فيه. وتلك الكلمات التي وقعت على قلبه كالجبل، أجل.. الكلمات التي قالتها قبل نزولها بلحظات.. بدأ آدم في التفكير في ضيق وتشكك في مصداقيتها معهُ، ولكن الموضوع كان أكبر من الشك في صدق روح، الأمر أصعب عليها بكثير مما قد يتخيل آدم، هو لا يعلم شيئًا الآن.
ولكنَّ من أسوء ما قد يشعر به المرء أنه كان وقتًا، أنه كان يطمعُ في شيء وذاق منه قِطعًا، وتلذذَ حلاوته ثم فُرضُ عليه صيامه.. حتى لو كانت كل فرضياته خطأ، مجرد الشعور بهذا الأمر في حد ذاته أمر صعب.
غابت عنه أسبوعًا كاملًا من بعدها!!.وأخذ يسأل نفسه ولا يستطيع الرد..
لمَ تبتعدُ عني؟
كيف وقد أعطتني أملًا في كونها تحبني ثم تسلبني هذا الأمل هكذا!!
هكذا؟ ببساطة!!
لا أستطيعُ التحدثَ معها؟
لا أستطيع تذوقَ لذةِ النظر في عينيها!!
هل أعادت حساباتها وقررت أن تغضَ الطرفَ عن الحُب؟
أن تُركزَ في دراستها؟
لكنّي وعدتها أن أشجعها وأكون عونًا لها!!
لمَ تبتعد عني؟؟
لمَ تتجنبُ التقاءَ أعيننا؟
هل أحدٌ ما علم بالأمر!!
خافت على نفسها مثلًا؟
أم أن هناك أمرًا تُخفيه؟
هل لبنى خاضت في حقي ببعض الكلمات؟
أعلم أنها لا تُحبني..
لكن هل تؤثر عليها مثلًا!!
لماذا تبتعدي عنّي يا روح؟!
كيف يُعطي الميتُ روحًا، ويذوقَ طعم الحياةِ ثم تُسلب منه؟
كيفَ يعودُ للكفيف بصره ثم يفقد عيناه تمامًا؟
كيف يا روح!!
أما هي فكانت تفعل كل هذا بدون قصد. أو على الأحرى يمكن القول أنها تفعل ذلك رغمًا عن أنفها، تصرفات المرأة المجنونة، تحكُم العقل في أمور حياتها يوقف تمامًا مشاعرها، رغم أنه في الغالب مشاعرها هي ما تدير حياتها.
كل التخبطات التي تراودها ليلًا، وتقبض على حنجرتها تقتلها، وتدفعها للابتعاد عنه، وما قاله الطبيب . كل هذه الأشياء هي ما دفعتها لفعل هذا التصرف الذي لا تفهمه.
الخوف.. إنه الخوف الذي فعل بها كل ذلك، تجلس كل ليلة تنهمر دموعها، وتنطق هذه الكلمة في خوف وتلعثم.. ثم تصمت وتعيد الكَرة.. وتقول في نفسها كيف أقولها؟.. إنها تحبه حقًا، ليس لها دخلٌ فيما يحدث حولها، لا تستطيع البوح له، لا تقدر على دخول الحرب ورقبتها معلقة في ذلك الحبل، وما تحت قدمها ليس صلبًا ليحميها، بل سينزلق بعيدًا؛ لتتعلق فيه، تخاف الدخول في الحرب؛ لأنها تكره الهزيمة، وتكره الاستسلام والضعف. تكره تصرفاتها تجاه آدم.. شعرت بالظلم تجاهه.. لمَ تفعل ذلك معه رغم أنها تحبه؟! فقط خائفة من مصيرها.. خائفة من أن تظلمه أو يظلمها؟!..
قامت من مرقدها ولم تهنئ بالنوم لحظة، ولم يغمض لها جفنٌ ولم تعد تسمع إلا أنّاةٍ تكاد تُمزها، نظرت إلى السماء وقد حلّق فيها طائر الكلى، والنجوم وهي تلمع في الأفق، والرياح وقد صار فيها شيءٌ من برودة، والقمر في طور البدر يزداد وهجه مع صفاء السماء، قررت أن تكتب إليه، حدّثتها نفسها أن تكتب إليه رغم أنها تؤمن تماما أنه إثمٌ تسقط فيه، إلا أن ولعة الحب قد تمكنت منه وذهبت بعقلها، فأنارت مصباح مكتبها الصغير، وأمسكت ورقةً وقلمًا وبدأت تنسج من خيوط ألمها حروفًا تحاول فيها جاهدةً أن تخفيه، وعبراتها تتراكم كالغيوم حول عينها فتكِلُ نظرها شيئًا فشيئًا...
عزيزي آدم، في البداية عليك أن تعلم أني لا أعلم لم أكتب لك وأنا لا أعلم حتى شعوري نحوك، فأنا حائرة الذهن، مشردة اللب، أُقلب عيني في كل مكانٍ فلا أجد في بارقةٍ من بوارق الحقيقة ولا سانحة من سوانح الجبال مُعينًا ولا ناصحًا، ولا أعلم ما أنا مقبلةٌ عليه، وأنت لا تعلم ما تُخفيه بواطن سريرتي، ولا بواطن أسرتي!!
والله يا آدم ما رأيت فيك إلا المحب وما أنا بعالمة في الحب شيئًا، فإنه لم يطرق بابًا لي من قبل، ولم يمس وترٌ من أوتار قلبي شيءٌ مثلما أصابه يوم أن رأيتك، ولا أعلم هل مخطئة عندما سمحت له التقرب منك أم لا؟ فانا سأموت يا آدم.
ليس مهمًا أن تعلم كيف سأموت، ولكن اعلم أني كلما دنوت إليك وتقربت منك فأنا أضع نصالًا على رقبتي، فماذا أنا بصانعة؟
وإني كما أخاف النِصال والموت، فأنا أخافُ من الحُب وما قد أسقط فيه من آثام، وأخاف أن تنطبقَ القلوب، وتذوب النفس في النفس فيصارا واحدًا وأصحو فلا أجد إلا إني كنتُ حالمةً، وما لي بالقرب منك من حق، فأخرج بعقلٍ غير عقلي، وروح غير روحي.
سامحني في حيرتي، فلا سلطان لي عليها، ولا أعلم ما أنا بصانعةِ.
وختمت كتابها بدمعة حارة رسمت أخدودًا في خدّها الأيمن، إلا أنها قررت أخيرًا أن تتخلى عن خوفها، وتُمزق خيوطها الغبراءِ العالقة بها، وتطرح عقلها أرضًا، وتمُط الحبل ولو قليلًا، ولا مانع من تجاوز رخاوة الأرض؛ لتسبح لآدم.. لتخبره فقط هذه الكلمة.. نعم لقد تخلت عن خوفها أخيرًا.